ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله. ثم أن الزهراء خطبت خطبة طويلة في هذا الشأن وجرى بينها وبين الخليفة حوار ومحاجة وجدال وبقي الخليفة مصرا على منعها وبقيت هي مصرة على المطالبة كما مر ذلك كله مفصلا في سيرتها في الجزء الثاني.
قال المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهما في روايتهم: ثم انكفأت وأمير المؤمنين يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين: يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجزة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة ابتزني نحيلة أبي وبليغة ابني لقد اجهد في خصامي وألفيته ألد في كلامي حتى حستني قبلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع ولا ناصر ولا شافع خرجت كاظمة وعدت راغمة أ ضرعت خدك يوم أضعت جدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني مت قبل منيتي ودون ذلتي عذيري الله منك عاديا وفيك حاميا ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهت العضد شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي اللهم انك أشد قوة وحولا واحد بأسا وتنكيلا. فقال لها أمير المؤمنين لا ويل لك بل الويل لشانئك نهنهي عن وجدك أبا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله فقالت حسبي الله وأمسكت. وهذا اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنين ع لا ينافي عصمته وعصمتها وعلو مقامهما فما هو إلا مبالغة في الإنكار واظهار لما لحقها من شدة الغيظ كما فعل موسى ع لما رجع إلى قومه غضبان أسفا والقى الألواح وأخذ برأس أخيه وشريكه في الرسالة يجره إليه.
ومر في الجزء الثاني في السيرة النبوية أن الشيخين استاذنا على فاطمة ليسترضياها فلم تأذن لهما فاتيا عليا فكلماه فادخلهما عليها وجرى بينها وبينهما ما مر هناك.
أخباره في قصة بني حنيفة وهي من حوادث سنة إحدى عشرة فقد تزوج خولة الحنفية من سبى بني حنيفة وولد له منها ابنه المعروف بمحمد بن الحنفية وأراد بعض أن يستدل بذلك على رضاه بامامة من قبله ورده آخرون فكان لذلك مساس بأحواله وأخباره.
قال الشريف المرتضى في كتاب الشافي: روى جميع أهل النقل أن أبا بكر وصى الجيش الذين أنفذهم لقتال أهل الردة بان يؤذنوا ويقيموا فان أذن القوم باذانهم وأقاموا كفوا عنهم وان لم يفعلوا أغاروا عليهم. قال وقصة مالك بن نويرة اليربوعي معروفة عند من تأملها من أهل النقل لأنه كان على صدقات قومه بني يربوع من قبل رسول الله ص فلما بلغته وفاته أمسك عن اخذ الصدقة من قومه وقال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي ص وننظر ما يكون من أمره وقد صرح بذلك في شعره حيث يقول:
- وقال رجال سدد اليوم مالك * وقال رجال مالك لم يسدد - - فقلت دعوني لا أبا لأبيكم * فلم أخط رأيا في المقال ولا اليد - - وقلت خذوا أموالكم غير خائف * ولا ناظر فيما يجيئ به غدي - - فدونكموها انما هي مالكم * مصررة اخلافها لم تجدد - - سأجعل نفسي دون ما تحذرونه * وأرهنكم يوما بما قلته يدي - - فان قام بالأمر المحدث قائم * أطعنا وقلنا الدين دين محمد - فصرح كما ترى انه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم وتقربا إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه، قال وقد روى جماعة من أهل السير وذكره الطبري في تاريخه أن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات ثم ذكر رواية الطبري في ذلك ونحن ننقلها من تاريخ الطبري بوجه أتم مع بعض اختصار، وروى الطبري في تاريخه بسنده أن خالد بن الوليد قدم البطاح فلم يجد عليه أحدا ووجد مالكا قد فرقهم في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع (1) وقال يا بني يربوع أنا قد كنا عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الدين وبطانا الناس عنه فلم نفلح ولم ننجح واني قد نظرت في هذا الأمر فوجدت الأمر يتأتي لهم بغير سياسة وإذا أمر لا يسوسه الناس فاياكم ومعاداة قوم يصنع لهم (2) فتفرقوا إلى دياركم وادخلوا في هذا الأمر، فتفرقوا على ذلك إلى أموالهم ورجع مالك إلى منزله فلما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بدعاية الاسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع يقتلوه فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع فاختلفت السرية فيهم وفيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فكان فيمن شهد انهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ فامر خالد مناديا فنادى ادفئوا أسراكم فظنوا أنه أمرهم بقتلهم لأن هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة للقتل فقتل ضرار بن الأزور مالكا وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة هذا عملك فزبره خالد وتزوج خالد أم تميم ابنة المنهال زوجة مالك الحديث وكانت أم تميم هذه بارعة في الجمال وروى الطبري أيضا في تاريخه بسنده أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه ان إذا غشيتم دارا فسمعتم فيها أذانا للصلاة فامسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا وإن لم تسمعوا أذانا فشنوا الغارة وكان ممن شهد لمالك بالاسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله ان لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها وكان يحدث انهم لما غشوا القوم رعوهم تحت الليل فاخذ القوم السلاح فقلنا أنا لمسلمون فقالوا أو نحن لمسلمون قلنا فما بال السلاح معكم قالوا فما بال السلاح معكم قلنا فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح فوضعوه ثم صلينا وصلوا، وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال وهو يراجعه ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا قال أ وما تعهد لك صاحبا ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته. واقبل خالد بن الوليد حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطهما ثم قال أ رئاء قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك باحجارك وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن أبا بكر على مثل رأي عمر فيه فدخل على أبي بكر واعتذر إليه فعذره