في اليمنى ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا منهم ولا رد إليهم بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد حتى فرق من حوله وتبادروه وانه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يرد حوارا ثم دفع الراية إلى محمد ثم حمل حملة ثانية فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة وشامة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته فاعصوصب به أصحابه وناشدوه الله في نفسه وفي الاسلام وقالوا انك ان تصب يذهب الدين فامسك ونحن نكفيك فقال والله ما أريد بما ترون الا وجه الله والدار الآخرة ثم قال لمحمد هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين. وعن المدائني والواقدي ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل وأكثره لبني ضبة والأزد الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه ولقد كانت الرؤوس تندر عن الكواهل والأيدي تطيح من المعاصم وأقتاب البطن تندلق من الأجواف وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل ونادى علي ع اعقروا الجمل فإنه ان عقر تفرقوا عنه، وفي رواية حتى لقد صرخ علي بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان ثم قال اعقروه والا فنيت العرب ولا يزال السيف قائما وراكعا حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض.
روى أبو مخنف عن حبة العرني قال: لما رأى علي ان الموت عند الجمل وانه ما دام قائما فالحرب لا يطفأ وضع سيفه على عاتقه وعطف نحوه وامر أصحابه بذلك والخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل من بني ضبة مقتلة عظيمة وخلص علي ع في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل يا بجير فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض وعج عجيبا لم يسمع بمثله فلما سقط الجمل كانت الهزيمة وفرت الرجال عنه كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب.
وجاء محمد بن أبي بكر ومعه عمار بن ياسر فقطعا الأنساع عن الهودج واحتملاه فلما وضعاه ادخل محمد يده فقالت من هذا قال أخوك محمد، فقالت مذمم، قال يا أخيه هل أصابك شئ قالت ما أنت من ذاك قال فمن إذا؟ الضلال وقالت بل الهداة. وقيل إنها لما سألته قال أخوك البر قالت عقوق، وامر علي ع بالجمل ان يحرق ثم يذرى في الريح وقال لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، وقرأ: وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا. وامر نفرا ان يحملوا الهودج من بين القتلى وانه كالقنفذ لما فيه من السهام وأمر أخاها محمد بن أبي بكر ان يضرب عليها قبة فلما كان الليل ادخلها البصرة فانزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة وكان علي ع يقول ذلك اليوم بعد الفراع من القتال:
- إليك أشكو عجري وبجيري * ومعشرا أغشوا علي بصري - - قتلت منهم مضري بمضري * شفيت نفسي وقتلت معشري - العفو العام وامر علي ع مناديا فنادى ألا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور ولا ترزأوا سلاحا ولا ثيابا ولا متاعا ومن القى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن.
وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة وجعل أمير المؤمنين ع يطوف على القتلى، حكى ابن أبي الحديد عن الأصبغ ابن نباتة انه سار في القتلى يستعرضهم، قال المفيد ومن كلامه عند تطوافه على القتلى: هذه قريش، جدعت انفي وشفيت نفسي، لقد تقدمت إليكم أحذركم عض السيف ولكنه الحين وسوء المصرع وأعوذ بالله من سوء المصرع، ثم مر على معبد بن المقداد فقال: رحم الله أبا هذا لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا، فقال عمار بن ياسر: الحمد لله الذي أوقعه وجعل خده الأسفل انا والله يا أمير المؤمنين لا نبالي من عند عن الحق من والد وولد، فقال أمير المؤمنين ع رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا، ومر بعبد الله بن ربيعة بن دراج فقال هذا البائس ما كان أخرجه، أ دين أم نصر لعثمان، والله ما كان رأي عثمان فيه ولا في أبيه بحسن، ثم مر بمعبد بن زهير فقال: لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، ثم مر بمسلم بن قرظة فقال: البر اخرج هذا؟ والله لقد كلمني ان أكلم عثمان في شئ كان يدعيه قبله بمكة فأعطاه عثمان وقال لولا أنت ما أعطيته ان هذا ما علمت بئس أخو العشيرة، ثم جاء المشوم للحين ينصر عثمان.
ثم مشى قليلا فمر بكعب بن سور فقال هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنه ناصر امه يدعو الناس إلى ما فيه، ثم استفتح فخاب كل جبار عنيد، اما إنه دعا الله ان يقتلني فقتله الله، اجلسوا كعب بن سور فاجلس: فقال أمير المؤمنين ع: يا كعب لقد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا، ثم قال: اضجعوه فاضجعوه، وفي رواية الأصبغ بن نباتة أنه قال له: ويل أمك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك ولكن الشيطان أضلك فأذلك فجعلك إلى النار أرسلوه. قال المفيد: ومر على طلحة فقال هذا الناكث بيعتي والمنشئ الفتنة في الأمة والمجلب علي والداعي إلى قتلي وقتل عترتي، اجلسوا طلحة فاجلس، فقال: يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا، اضجعوا طلحة، وفي رواية الأصبغ ثم مر بعد الله بن خلف الخزاعي وكان قتله بيده مبارزة وكان رئيس أهل البصرة فقال اجلسوه فاجلس فقال الويل لك يا ابن خلف لقد عاينت أمرا عظيما. قال ابن أبي الحديد وقال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: ومر بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقال اجلسوه فاجلس، فقال هذا يعسوب قريش هذا اللباب المحض من بني عبد مناف، ثم قال: شفيت نفسي وقتلت معشري إلى الله أشكو عجري وبجري، قتلت الصناديد من بني عبد مناف وأفلتني الأعيار من بني جمح. فقال له قائل لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين، قال: إنه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك اه وأقام علي ع بظاهر البصرة ثلاثا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم. وفي مروج الذهب: خرجت امرأة من عبد القيس تطوف القتلى يوم الجمل فوجدت ابنين لها قد قتلا وقد كان قتل زوجها واخوان لها فيمن قتل قبل مجئ على البصرة فأنشأت تقول:
- شهدت الحروب فشيبنني * فلم أر يوما كيوم الجمل - - اضر على مؤمن فتنة * واقتله لشجاع بطل - - فليت الظعينة في بيتها * وليتك عسكر لم ترتحل -