واستعمال لفظة لأن وهي لم ترد في القرآن ولا في كلام فصيح.
فالقرآن لم يجمع جميع كلمات العرب فهل فيه الحوذان والنفل والجنوب والشمال والقرنقل وحينئذ وساعتئذ وحتام وحتى متى ونعم وأجل وغيرها حتى من الكلمات الكثيرة الدوران ومن أين لنا ان نجزم بان لفظة لأن لم ترد في كلام فصيح ومن الذي أحاط علما بجميع الكلام الفصيح. على انها وردت في حديث نبوي رواه الطبراني والحاكم وصححه السيوطي أحب العرب لثلاث لاني عربي الخ ووردت في قول الشاعر الذي استشهد النحويون بشعره مع قلب الهمزة هاء:
- لهنك سمح ذا يسار ومعدما * كما قد ألفت الحلم مرض ومغضبا - وكثرة ما فيه من التزويق والصنعة. وهذا ان لم يدل على الصحة لم يدل على البطلان فهو كاشف عن مزيد القدرة على صوع الكلام.
واشتماله على التقسيم العددي مثل الايمان على أربع دعائم. فمن الغريب ان يعد ذلك من موجبات الشك فيه فالتقسيم العددي يعرفه ويحتاجه كل خطيب وبليغ وقد وجد في الحديث النبوي نظير ذلك بني الاسلام على خمس دعائم كما في الجامع الصغير للسيوطي وشرحه للعزيزي.
وكدقة ما فيه من الوصف واحاطته بصفات الموصوف كما في خطبة الخفاش والطاووس مع أنهما شائعان في كلام العرب في الجاهلية والاسلام وموجودان في وصف أم معبد الخزاعية النبي ص فوجودهما في النهج أقوى دليل على بلاغته فهو أولي بان يجعل دليلا على الصحة من أن يجعل دليلا على عدمها:
- إذا محاسني اللاتي أدل بها * عدت ذنوبا فقل لي كيف اعتذر - وكاشتماله على مباحث تتعلق بعلم الطبيعة. ولم يبينوا ما هي هذه المباحث، ولما يفترض جهل علي بها.
ومن الغريب ما حكاه بعض أهل العصر ممن يروق لهم الاستشهاد بكلام الغربيين صحيحه وسقيمه عن الأستاذ المستشرق المسيو ماسينيون الفرنسوي انه مع اعتقاده بان نهج البلاغة من كلام علي وانه لا يمكن ان يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها. فهو يعتقد ان الكتب التي اخذ عنها الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الامامية لأسباب أهمها ان الامامية لا يعترفون بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون بصحة خلافتهما وإن كان علي أحق منهما بتولي أمور المسلمين فالزيدية إذن واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا يعتنون بجمع كلام علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض المؤرخين بل إن عليا كان بنظرهم مثلا أعلى يجب ان يحتذي وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد وطريقه في الحكم والادارة وحل المشاكل يجب ان تعرف وما كان مثل هذه الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو امامهم الذي يعيش في عصرهم لذلك لما اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب الزيدية اه وهو اعتقاد فاسد فان عليا إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى يجب ان يقتدى به وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد وطريقه في الحكم والادارة يجب ان تعرف فهو عند الشيعة الإمامية لا ينقص عن ذلك بل يزيد وان الشيعة الإمامية تعتقد ان قوله وفعله وتقريره حجة. وتعليله ذلك بان كتاب الامامية هو امامهم الذي يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه فالامامية لا فرق عندهم بين امامهم الذي يعيش في عصرهم وغيره في أن كلام الجميع وفعلهم وتقريرهم حجة وإن كان علي أفضلهم. والزيدية وان قال البترية منهم بامامة الشيخين الا ان الباقين والبترية بعد الشيخين يشترطون في الامام ان يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه الجهة وبين الامامية. فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من صنعته وما لم تصل إليه معلوماته.
وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشئ الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أ هو الذوق الأدبي أم النزعة الامامية وزعم أن النزعة الامامية كان لها اثرها في اختيار قطع النهج بدليل وجود خطب أخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها لعقيدة الامامية بل ربما دخل في النهج كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف ببعض الخطب وحذف وقصر فيها وضمنت بعض الحشو. ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف بان كلام علي ظل في الكتاب محترما لم يمس. وهذا أيضا غير صواب فالذي كان يقود الشريف في اختياره لنصوص النهج هو الذوق الأدبي والبلاغة والفصاحة لا النزعة الامامية كما توهم واستدلاله بوجود خطب تنسب لعلي قبل عصر الرضي لم تدخل في الكتاب لمخالفتها للعقيدة الامامية غير صحيح أولا لجواز ان يكون الرضي لم يطلع عليها فلا يطلع على جميع الأمور الا علام الغيوب ثانيا لعل تلك الخطب التي لم يذكرها مما لم يقع عليه اختياره فإنه لا يذكر كلما وجده من كلام أمير المؤمنين ع بل ينتخبه انتخابا واما قوله بل ربما دخل في النهج الخ فلعله يشير به إلى ما اشتملت عليه الخطبة الشقشقية وغيره مما أجبنا عنه واما الحذف من الخطب فقد بين الرضي انه لا ينقل جميع كلامه بل ينتخبه انتخابا ومن كان دأبه كذلك لا بد له من التصرف بحذف البعض. واما الحشو الذي يزعمه فكان عليه ان يبينه فانا لا نرى في نهج البلاغة شيئا من هذا الحشو المزعوم.
الخطبة الشقشقية سميت بذلك لان عليا ع لما وصل إلى آخر الموجود منها قام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتابا فاقبل ينظر فيه فقال له ابن عباس يا أمير المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت فقال هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
فهذه الخطبة بسبب اشتمالها على تظلم علي ع ممن قبله في أمر الخلافة وعلى انه كان أحق بالخلافة منهم أنكرها جماعة من الناس وزعموا انها من كلام الرضي. دسها في نهج البلاغة ونحلها عليا ع وليس لهم مستند في ذلك الا اشتمالها على ما ذكرناه فهو يقول فيها اما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها اي الخلافة محل القطب من الرحى فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين ان أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ارى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ثم تمثل بقول الأعشى:
- شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر - فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما