ما في بيت مال العراق وخراج أي كور العراق شئت يجيبها امينك ويحملها إليك في كل سنة ولك أن لا يستولي عليك بالإشاءة ولا تقضي دونك الأمور ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله.
قال المدائني: إن معاوية كتب في آخر كتابه إلى الحسن ع فان أباك سعى على عثمان حتى قتل مظلوما وطالب الله بدمه ومن يطلبه الله فلن يفوته ثم أبتز الأمة أمرها وفرق جماعتها فخالفه نظراؤه من أهل السابقة والجهاد والقدم في الاسلام وادعى انهم نكثوا بيعته فقاتلهم فسفكت الدماء واستحلت الحرم ثم أقبل إلينا لا يدعي علينا بيعة ولكنه يريد أن يملكا اعتزازا فحاربناه وحاربنا ثم صارت الحرب إلى أن اختار رجلا واخترنا رجلا ليحكما بما تصلح عليه الأمة وتعود به الجماعة والألفة وأخذنا بذلك عليهما ميثاقا وعليه وعلينا مثله على الرضى بما حكما فامضى الحكمان عليه الحكم بما علمت وخلعاه فوالله ما رضي بالحكم ولا صبر لأمر الله فكيف تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك وقد خرج عنه فانظر لنفسك ولدينك والسلام ثم قال للحارث وجندب ارجعا فليس بيني وبينكم الا السيف.
فرجعا وأقبل إلى العراق في ستين ألفا واستخلف على الشام الضحاك بن قيس الفهري.
قال جندب: فلما أتيت الحسن ع بكتاب معاوية قلت إن الرجل سائر إليك فابدأ بالمسير إليه حتى تقابله في أرضه وبلاده وعمله فاما أن تقدر أنه ينقاد لك فلا والله حتى يرى يوما أعظم من يوم صفين، فقال افعل.
وكتب معاوية إلى الحسن ع: أما بعد فان الله عز وجل يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس وآيس من أن تجد فينا غميزة وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ثم الخلافة لك من بعدي فأنت أولى الناس بها والسلام.
فاجابه الحسن ع: أما بعد فقد وصل إلي كتابك فتركت جوابك خشية البغي عليك فاتبع الحق تعلم إني من أهله والسلام. فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة: أما بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤونة عدوكم وقتلة خليفتكم إن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجدكم وجهدكم وحسن عدتكم فقد أصبتم بحمد الله الثار وبلغتم الأمل وأهلك الله أهل البغي والعدوان والسلام.
فاجتمعت العساكر إلى معاوية وسار قاصدا إلى العراق وبلغ الحسن خبر مسيره وإنه قد بلغ جسر منبج فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي الصلاة جامعة فاقبل الناس يتوثبون ويجتمعون فقال الحسن ع إذا رضيت جماعة الناس فاعلمني، وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال اخرج، فخرج الحسن ع فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا إن الله مع الصابرين فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني ان معاوية بلغه انا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف، فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال: إنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم أين خطباء مضر المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها ثم استقبل الحسن بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد ورده وصدره قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليواف ثم مضى لوجهه فخرج عن المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر علامه أن يلحقه بما يصلحه وكان عدي بن حاتم أول الناس عسكرا وقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول فقال لهم الحسن ع صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل وخرج الناس فعسكروا ونشطوا للخروج وخرج الحسن ع إلى المعسكر واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمره باستحثاث الناس واشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى يلتئم العسكر وسار الحسن ع في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيد الله بن عباس فقال له يا ابن عم اني باعث معك اثني عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر الرجل منهم يرد الكتيبة فسر بهم وألن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير بمسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان أنت لقيته فاحبسه حتى نأتيك في اثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك وإن فعل فقاتله فان أصبت فقيس على الناس وإن أصيب قيس فسعيد بن قيس على الناس. فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات وقرى الفلوجة حتى اتى مسكن قال المفيد استنفر الحسن ع الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا ومعه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم محكمة اي خوارج يؤثرون قتال معاوية بكل حيله وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وأصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين فسار حتى اتى حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب ثم بكر ونزل ساباط دون القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فامر أن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فقال:
الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق وأئتمنه على الوحي ص أما بعد فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة ألا وان ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا واني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا على رأيي غفر