المبرر له؟ وهذا غيض من فيض وقليل من كثير لا يتسع مجال لاستقصائه.
البحث السادس كثرت الافتراءات على الشيعة ورميهم بسئ القول ونسبتهم إلى الكذب والابتداع بل أعظم من ذلك وإذا ذكرهم مؤلف من غيرهم فقلما يذكرهم إلا بأوصاف الذم والألقاب المستكرهة مع الاطلاق والتعميم.
وإذا بحثنا عن السبب الحقيقي في ذلك وخلعنا ربقة التعصب والتقليد وجدناه يرجع إلى أمر واحد وهو ما يسمونه في هذا العصر بالسياسة ونحن نريد أن نبحث عن ذلك بحثا دقيقا ونشرحه شرحا مفصلا لا يبقى معه شك ولا ريب فنقول: لا يشك من نظر في التاريخ وتأمله بغير البصيرة وأنعم النظر في الآثار والاخبار وجرد نفسه عن شوائب التقليد إنه لما جاء الاسلام كان في مبدأ امره ضعيفا وأتباعه ضعفاء وإن أكثر العرب ومن رؤسائها البارزين قريش تألبت ضد الاسلام وضد النبي الذي جاء به وحاربته وقاومته جهدها لأنه سفه احلامها وأهان أصنامها وسب آلهتها ولم تدع وسيلة لمقاومته إلا استعملتها حتى ظهر أمر الله وهم كارهون. وكان علي بن أبي طالب قطب رحى هذه الحروب وكشاف داجية تلك الخطوب حتى قام الاسلام وتوطدت أركانه بسيفه وقتل صناديد المشركين ووتر القبائل فامتلأت بالحسد له والعداوة له القلوب وإذا قلنا إن العصر الأول كان خاليا من العداوة والبغضاء والحسد لأنه خير القرون كما يقولون وخالفنا المحسوس فلا يمكننا أن نقول ذلك في العصر الأموي والعباسي عصر الملك العضوض. وكان علي أول من آمن برسول الله ص ومع ذلك كان ابن عمه وربي في حجره وأوصاه أبوه أبو طالب بنصره وكان ينيمه في حصار الشعب في فراشه فنشأ على حب الرسول ونصره وبالغ في نصر الاسلام مع ما أوتيه من قوة وشجاعة فائقة وصبر وجلد وبات ليلة الهجرة وهي ليلة الغار على فراشه وفداه بنفسه وأوصاه بأداء أماناته وحمل الفواطم إليه بالمدينة ولما هاجر بالفواطم ولحقه الفوارس الثمانية ليردوه فحاربهم راجلا وقتل مقدمهم وعاد الباقون عنه اشتهر ذلك منه وبدأت هيبته تقع في النفوس. ولما فعل يوم بدر ما فعل وقتل من قتل إزداد شهرة وتسامعت به العرب وعظم محله في النفوس. ولما كانت وقعة أحد وانهزم الناس عن النبي ص وثبت هو وأبلى بلاء عظيما وقتل حملة اللواء وحامى عن رسول الله ص وواساه بنفسه ازدادت شهرته وعظم محله وتحدثت العرب بشجاعته. ولما كانت وقعة الخندق وقتل عمرو بن عبد ود بعد ما جبن عنه الناس بلغ درجة عالية من الشهرة والعظمة في نفوس الناس ولما قتل مرحبا يوم خيبر واقتلع باب الحصن وتترس به وفعل ما فعل يوم حنين بلغ أعلى درجات الشهرة بالشجاعة والعظمة وتأسس الحسد له في النفوس مع الشهرة فكان ينمو بنموها ويزداد بزيادتها وتأسست البغضاء له في نفوس جماعة ممن دخلوا في الاسلام كرها بما قتله من آبائهم وأبنائهم وعشائرهم في هذه الوقائع.
وانضاف إلى ذلك ما كان يقوله النبي ص في حقه تنويها بشأنه كقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى، علي مني وأنا من علي، علي مني بمنزلة الذراع من العضد. علي مني بمنزلة الصنو: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار، وما كان من حديث الطائر المشوي وإرساله بسورة براءة إلى مكة. ومؤاخاته له حين آخى بين أصحابه وما كان منه في حقه يوم الغدير وإيصائه إليه بقضاء دينه وجميع أموره حتى كان يعرف بالوصي سواء أ كان أوصى إليه بالخلافة كما تقوله الشيعة أم لا وتزويجه بكريمته وأفضل بناته وأحبهن إليه وسيدة نساء العالمين ومنعها من غيره ممن خطبها وقوله ما أنا زوجته إياها بل الله أمرني بذلك أو ما هذا معناه إلى غير ذلك مما هو معروف مشهور فازداد نمو بذر الحسد والكراهة له في النفوس مما جبلت عليه طبائع البشر. والقول بان الأمة المحمدية خالفت نظام الكون فلم يكن بينها منافسة ولا محاسدة وكانت كلها على التالف والتصافي مخالف للحس والوجدان بما هو غني عن البيان ومناف لما تواترت به الاخبار وقضى به الاعتبار، وما أحسن ما قاله بديع الزمان الهمذاني من كتاب له إلى شيخه أحمد بن فارس، نقله في معاهد التنصيص، قال والشيخ يقول قد فسد الزمان أ فلا يقول متى كان صالحا؟ أ في الدولة العباسية فقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها أم في الدولة المروانية؟ وفي أخبارها لا تكسع الشول باغبارها أم السنين الحربية:
- والسيف يغمد في الطلى * والرمح يركز في الكلأ - - ومبيت حجر في الفلا * والحرتين وكربلا - أم البيعة الهاشمية؟ والعشرة براس من بني فراس أم الأيام الأموية؟
والنفير إلى الحجاز والعيون إلى الاعجاز، أم الامارة العدوية؟ وصاحبها يقول: وهل بعد النزول إلا النزول أم الخلافة التيمية؟ وصاحبها يقول:
طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام، أم على عهد الرسالة؟ ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة، أم في الجاهلية ولبيد يقول: في خلف كجلد الأجرب أم قبل ذلك؟ وأخو عاد يقول:
- بلاد بها كنا وكنا نحبها * إذ الناس ناس والزمان زمان - أم قبل ذلك ويروى عن آدم ع: تغيرت البلاد ومن عليها أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. ما فسد الناس إنما اطرد القياس ولا أظلمت الأيام انما امتد الظلام وهل يفسد الشئ إلا عن صلاح ويمسي المرء إلا من صباح اه.
ولما توفي النبي ص واختلف الناس في أمر الخلافة بما هو معروف مشهور أخر علي ع عنها وكان يرى نفسه أحق بها وأتباعه وعشيرته يرون ذلك سواء أ قلنا أنه منصوص عليه كما تقوله الشيعة أم لا فإنه كان فيه من الصفات ما يؤهله أن يرى نفسه ويراه أتباعه كذلك، وتلا ذلك امتناعه من البيعة مدة والخلاف بين الخليفة والزهراء في أمر فدك وانتهاء الأمر بمنعها منه ثم دفن علي لها سرا بوصية منها. وأعقبه تنحيه أو تنحيته عن أمور المسلمين العامة مثل الامارة والجهاد مع أنه فارس العرب وفارس المسلمين ومؤسس الاسلام بسيفه فهل جهل ما كان يعلمه من فضل الجهاد أو جبن بعد الشجاعة كلا وهذه شجاعته يوم الجمل وصفين والنهروان تضرب بها الأمثال كل ذلك يدلنا على أنه كان هناك شئ لا سبيل لمنكر إلى إنكاره ثم أعقب ذلك العهد بالخلافة إلى غيره وتلاه أمر الشورى وجعلها بين ستة كان علي يرى نفسه خيرهم وانتهت الشورى باسناد الخلافة إلى غيره بطريق رسمي محكم كان علي يرى نفسه فيه مهضوم الحق لا سيما بعد أن كان القانون الذي سن الشورى هو في جانب غيره أقوى منه في جانبه وهو الأخذ بأكثرية الآراء ومع التساوي بالجانب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف مع العلم بان الأكثرية لن تكون في جانب علي وإن عبد الرحمن من خصومه. ولسنا نريد بما تقدم توجيه لوم أو نقد إلى أحد فالله تعالى أعلم بالسرائر ولكنا نريد أن ننبه على حقيقة راهنة ومقدمات نصل منها إلى نتيجة ملموسة. ثم حصلت الفتن وقتل الخليفة الثالث وبويع علي ونجم من قتل