المخزومي إلى نجران. وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رمضان. وروى ابن سعد في الطبقات أن رسول الله ص أقام بمكة لما افتتحها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين أي يقصر الصلاة لأنه لم ينو الإقامة وروى الطبري بسنده قال أقام رسول الله ص بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة. قال ابن سعد استعمل رسول الله ص على سوق مكة حين افتتحها سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية فلما أراد الخروج إلى الطائف استخلف على مكة هبيرة بن شبل الثقفي فلما رجع من الطائف وأراد الخروج إلى المدينة استعمل عتاب بن أسيد على مكة وعلى الحج وقال غيره أنه استعمله على الصلاة وجعل له كل يوم درهما وعمره إحدى وعشرون سنة ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.
يوم الغميصاء لخالد بن الوليد في بني جذيمة في شوال سنة ثمان من الهجرة بعثه رسول الله ص وهو مقيم بمكة إلى بني جذيمة بن عامر من كنانة داعيا إلى الاسلام ولم يبعثه مقاتلا فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار فيهم عبد الرحمن بن عوف وبني سليم فنزلوا على الغميصاء ماء من مياه بني جذيمة وكان بنو جذيمة في الجاهلية قد أصابوا نسوة من بني المغيرة وقتلوا عوفا أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما واخذوا أموالهما ومع عوف ابنه عبد الرحمن فقتل قاتل أبيه فلما كان الاسلام وبعث رسول الله ص خالدا إليهم أخذوا السلاح فقال ما أنتم؟ قالوا مسلمون قال فما بال السلاح عليكم؟ قالوا إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فقال ضعوا السلاح فقال رجل منهم اسمه جحدم يا بني جذيمة إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار وما بعد الأسار الا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي ابدا فما زالوا به حتى نزعوا سلاحه ونزع القوم سلاحهم فامر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل ويقال فرقهم في أصحابه فلما كان السحر امرهم بقتلهم فاما بنو سليم فقتلوا من بأيديهم واما المهاجرون والأنصار فارسلوا أساراهم. وروى الطبري وابن هشام بسنديهما أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الاسلام فقال خالد انما ثارت بأبيك فقال عبد الرحمن كذبت قد قتلت قاتل أبي ولكنك انما ثارت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر فلما انتهى الخبر إلى رسول الله ص رفع يديه إلى السماء ثم قال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ثم دعا علي بن أبي طالب ع فقال يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في امرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله ص به فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شئ من دم ولا مال الا وداه، بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي ع حين فرع منهم هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد إليكم قالوا لا قال فاني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله ص مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله ص فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت ثم قام فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات اه.
غزوة حنين وهي غزوة هوازن في شوال سنة ثمان من الهجرة وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف. وسببها أنه لما فتح الله تعالى على رسول مكة اطاعته قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فإنهم كانوا طغاة عتاة مردة فلما سمعت هوازن بفتح مكة على رسول الله ص جمعها رئيسها مالك بن عوف النصري وهو ابن ثلاثين سنة فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها واجتمعت نصر وجشم كلها وكانوا اجتمعوا حين بلغهم خروجه ص من المدينة فظنوا أنه إنما يريدهم فلما بلغهم أنه أتى مكة عمدوا لحربه بعد مقامه بمكة نصف شهر فجاءوا حتى نزلوا بحنين وكانوا ثلاثين ألفا كما في السيرة النبوية لدحلان وحط مالك معهم النساء والصبيان والأموال وفي ثقيف رئيسان لهم: قارب بن الأسود وذو الخمار سبيع بن الحارث وفي جشم دريد بن الصمة شيخ كبير أعمى، المكثر يقول بلغ المائتين والمقل المائة والعشرين ليس فيه شئ الا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب وتجربته وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف، ودريد في شجار أي هودج له يقاد به فلما نزل بأوطاس وهو مكان بقرب حنين قال دريد بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس (1) ما لي اسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار (2) الشاة وخوار البقر قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم وكان توافق معه أن لا يخالفه فان دريدا قال له انك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم واجلى يهود الحجاز فقال له لم فعلت هذا؟ قال أردت أن اجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم فانقض به (3) وقال راعي ضان والله ما له وللحرب هل يرد المنهزم شئ إن كانت لك لم ينفعك الا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحد والجد (4) لو كان يوم علاء ورفعة ما غابا ولوددت انكم فعلتم ما فعلا فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر فقال ذانك الجذعان (5) من بني عامر لا ينفعان ولا يضران يا مالك انك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن (6) إلى نحور الخيل شيئا ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم (7) ثم القى الصباة على منون الخيل (8) فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك قال لا والله لا افعل ذلك انك قد كبرت وكبر علمك (9) والله لتطيعني يا معشر هوازن أو لأتكأن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي قالوا أطعناك فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني: