حازوا إلا قتل أبي مسلم وتفرق أصحابه، وأي استقلال يكون لبلادهم وهي في حكم الخليفة العباسي العربي. وإذا كان من يريد استقلال بلاده يلجا إلى التشيع فهو من المحامد لا من المذام.
ثم حكى (1) عن المقريزي إنه قال: السبب في خروج أكثر الطوائف عن ديانة الاسلام إن الفرس كانت من سعة الملك وجلالة الخطر في أنفسها بحيث أنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد ويعدون سائر الناس عبيدا لهم فلما زالت دولتهم على أيدي العرب والعرب أقل الأمم خطرا عندهم راموا كيد الاسلام بالمحاربة في أوقات شتى وفي الكل يظهر الله الحق فرأوا إن كيده على الحيلة أنجح فاظهر قوم منهم الاسلام واستمالوا أهل التشيع باظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى.
ونقول: هذه المقالة وهذا الاستنباط قد تكرر في كلام الكثيرين ولسنا ندري متى حدث ويمكن أن يكون أول من قال ذلك المقريزي وتبعه من بعده بدون تأمل ولا تفهم لأنه وافق هواهم في كره الشيعة وهو شئ لا نصيب له من الصحة ولا ظل له من الحقيقة وقد بينا فساده وسخافته بيانا مفصلا في البحث الرابع من هذا الجزء ونقول هنا أن الفرس لما فتح العرب بلادهم ودخلها الاسلام منهم من دخل في الاسلام عن رغبة وطواعية ومنهم من بقي على دين المجوسية لأنهم لم يجبروا على الإسلام واسم التشيع يومئذ وإن كان معروفا لفئة من الصحابة إلا أن اسم التسنن لم يكن معروفا وكان من يسلم من الفرس كلهم أو جلهم خاضعا لدولة الخلافة القائمة يومئذ وأحكامها بالطبع ولا يعرف عن التشيع شيئا وكذلك بعد حدوث اسم العلوية والعثمانية كان جل ذلك أو كله بين العرب خاصة من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر ولا يعرف أكثر الفرس عن ذلك شيئا ولما حدث اسم التسنن في الدولة العباسية كان أكثر الفرس لا القليل على غير مذهب الشيعة واستمر ذلك أحقابا وقرونا فمتى هو هذا الزمان الذي أظهر فيه قوم من الفرس الاسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار التشيع ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى لا شك أنه لم يوجد إلا في مخيلة المقريزي.
ثم اخذ (2) يستشهد بأقوال علماء الفرنجة عن الشيعة على حسب عادة هذا الزمان فحكى عن الأستاذ ولهوسن إن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية لأن مؤسسها عبد الله بن سبا وهو يهودي وحكي عن الأستاذ دوزي إنه يميل إلى أن أساسها فارسي فالعرب تدين بالحرية والفرس بالملك والوراثة في البيت المالك فأولى الناس بمحمد ابن عمه علي فمن أخذ الخلافة عد غاصبا وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى إلهي فنظروا هذا النظر إلى علي وذريته وقالوا إن طاعة الامام أول واجب وإن إطاعته إطاعة الله.
وقال هو: الذي أرى كما يدلنا التاريخ إن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الاسلام ولكن بمعنى ساذج وهو إن عليا أولي من غيره لكفايته الشخصية وقرابته للنبي وهذا الحزب وجد بعد وفاة النبي ص ونما بمرور الزمان وبالمطاعن في عثمان ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الاسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية وكل قوم من هؤلاء كانوا يصبغون التشيع بصبغة دينهم فاليهود بلون يهودي والنصارى بلون نصراني وهكذا وإذ كان أكبر عنصر دخل في الاسلام هو العنصر الفارسي كان أكبر الأثر في التشيع إنما هو للفرس.
ونقول: ما لنا ولو لهوسن ودوزي حتى نأخذ عنهما فلسفة ديننا الذي نحن أعرف به منهما ومن كل أحد وقد عرفت ان الصاق مقالة ابن سبا بالشيعة سخافة متناهية وكذلك علاقة الفرس بالتشيع، وإن التشيع لعلي كان في حياة الرسول ص كما عرفت مما مر ان ما ذكره في اليهودية والنصرانية أسخف وأسخف وإذا كان يعترف بان التشيع بدأ بعد وفاة النبي ص قبل دخول الفرس في الاسلام ولا بد أن يكون أيضا قبل دخول الروم واليهود فلما ذا صبغ هؤلاء العناصر الثلاثة التشيع وحده بصبغة دينهم ولم يصبغوا غيره.
ومن العجيب أن الأستاذ أحمد أمين زار العراق بعد ما انتشر كتابه فجر الاسلام في زهاء ثلاثين رجلا من المصريين وحضر في بغداد مجلس وعظ الشيخ كاظم الخطيب فتعرض لكلام أحمد أمين في كتابه المذكور وفنده بأقوى حجة وأوضح برهان ثم حضروا في النجف مجلس الشيخ محمد حسين الجعفري أحد أعاظم علماء العراق فعاتبه على ما جاء في كتابه وبين له إنه لا أصل له وهو مجرد اختلاق فاعتذر بعدم الاطلاع وقلة المصادر فقال له وهذا أيضا غير سديد لأن من يريد أن يكتب عن شئ فعليه ان يفحص عنه الفحص التام وإلا فلا يجوز له الخوض فيه. فوعده ان يستدرك ذلك في الطبعة الثانية ولكنه أعاد الكرة في كتابه ضحى الاسلام ولم يرجع عن كلامه الأول وأشار إلى ما جرى بينه وبين الشيخ إشارة اجمالية ولم يصرح، وعمل الشيخ في رده رسالة سماها أصل الشيعة وأصولها طبعت وانتشرت.
ومن الافتراءات على الشيعة ما ذكره فؤاد حمزة في كتابه قلب جزيرة العرب المطبوع بمصر من أن في القطيف وواحة الأحساء قرامطة مع أن جميع أهل القطيف والأحساء مسلمون شيعة إثنا عشرية يبرؤون من كل قرمطي ولا أثر للقرامطة بينهم أصلا. وظهر في هذه الأوقات كتاب في العراق من هذا البحر وعلى هذه القافية سماه صاحبه العروبة في الميزان ومن الحكمة ما حصل من منع انتشاره.
وهكذا لا نزال نسمع كل يوم من أمثال هؤلاء نغمة جديدة ونرى حامل معول لهدم بنيان الاتفاق والجامعة الاسلامية بما يسطره من الأباطيل نسأله تعالى أن يلهم المسلمين ما فيه لم الشعث وجمع الكلمة انه قريب مجيب.
كلام أحمد أمين في ضحى الإسلام في حق الشيعة.
قال: (3) وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه وستارهم الذي يستترون به.
ونقول: الشعوبية هم الذين لا يفضلون العرب على العجم أو يفضلون العجم عليهم ولا ندري كيف قال إن التشيع كان عشها والشيعة أول من تفضل العرب على غيرهم وبني هاشم على سائر العرب وآل علي على سائر بني هاشم وهذا مضاد للشعوبية. والصاحب بن عباد المجاهر بالتشيع والذي هو من الفرس يقول: ما فضل العجم على العرب أحد إلا وفيه عرق من المجوسية. ولما أنشد بعض الشعوبية الصاحب أبياتا يفضل