قال أيها الناس اني وليكم قالوا صدقت فرفع يد علي فقال هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عداه انتهى ما أردنا نقله من تاريخ ابن كثير، واستقصاء ما فيه يطول به الكلام. وبالجملة فحديث الغدير مستفيض أو متواتر وكفى أن يكتب فيه مثل ابن جرير مجلدين.
وفاة النبي ص جيش أسامة قال ابن إسحاق ثم قفل رسول الله ص فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وضرب على الناس بعثا إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره ان يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون وهو آخر بعث بعثه ص وفي رواية الطبري في تاريخه أمره أن يطئ آبل الزيت من مشارف الشام لأرض بالأردن:
وقال ابن سعد في الطبقات: سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل أبنى وهي ارض السراة ناحية البلقاء. قالوا لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر ص الناس بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الأخبار فان ظفرك الله فأقل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع امامك فلما كان يوم الارعاء بدأ برسول الله ص المرض فحم وصدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار الا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله ص غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في امارتي أسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان للامارة لخليقا وان ابنه من بعده لخليق للامارة ثم نزل فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول وثقل رسول الله ص فجعل يقول أنفذوا بعث أسامة وروى ابن هشام في سيرته ان رسول الله ص استبطأ الناس في بعث أسامة وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقال أنفذوا بعث أسامة ثم نزل وانكمش الناس في جهازهم اه ثم قال ابن سعد في روايته بسنده عن عروة بن الزبير فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون وقد عسكر بالجرف فاشتكى رسول الله ص وهو على ذلك ثم وجد من نفسه راحة فخرج عاصبا رأسه فقال أيها الناس أنفذوا بعث أسامة ثلاث مرات اه وروى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص اني اوشك ان أدعي فأجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وان اللطيف الخبير اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
وقال المفيد في الارشاد انه ص تحقق من دنو اجله ما كان قدم الذكر به لامته فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكد وصاتهم بالتمسك بسنته والاجتماع عليها والوفاق ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق واجتماع من قوله ص يا أيها الناس اني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض الا واني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما فان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يلقياني وسالت ربي ذلك فأعطانيه الا واني قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار الا وان علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله: وكان ص يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة وأمره وندبه ان يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم واجتمع رأيه على اخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في أمر الرياسة ويطمع في التقدم على الناس بالامارة ويستتب الامر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع فعقد له الإمرة وجد في اخراجهم وامر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلوم والابطاء عنه فبينما هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها انتهى.
وإذا أمعنا النظر في مجاري هذه الحوادث وتأملناها بانصاف مجرد عن شوائب العقائد أمكننا ان نقول إن النبي ص مع ما تحققه من دنو اجله بوحي أو غيره وأوما إليه بما أعلنه للملأ في خطبته المتقدمة التي خطبها في حجة الوداع بقوله: فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، وقوله في بعض خطبه الآتية: قد حان مني خفوق من بين أظهركم وتأكيده الوصاية بالثقلين وقوله: قد كان جبرئيل يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه الا لحضور أجلي واعتكافه في ذلك العام عشرين يوما وقد كان يعتكف عشرة، وغير ذلك من التصريح والتلويح بأنه عالم بدنو اجله ومع عروض المرض له واشتداده عليه وهو مع ذلك كله يجتهد في تجهيز جيش أسامة ويحث عليه ويكرر الحث مرارا ويؤمر أسامة وهو غلام على وجوه المهاجرين والأنصار ولا يشغله ما هو فيه من شدة المرض وتحقق دنو الأجل عن الاشتداد في تجهيز جيش أسامة.
وقد كان مقتضى ظاهر الحال وسداد الرأي ان لا يبعث جيشا في أكابر الصحابة وجمهور المسلمين في مثل تلك الحال التي يتخوف على نفسه فيها الموت لأن تدارك ما يخاف وقوعه عند وفاته واحكام أمر الخلافة في حياته أهم من تسيير جيش لغزو الروم بل لا يجوز في مثل تلك الحال إرسال الجيوش من المدينة ويلزم تعزيز القوة فيها استعدادا لما يطرأ من الفتن بوفاته وقد صرح بذلك في قوله أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، لا سيما انه قد بلغه ارتداد جماعة من العرب في عدة أماكن وادعاء بعضهم النبوة لما بلغهم مرضه كما نص عليه الطبري في تاريخه مع تأييده بالوحي وامتيازه عن سائر الخلق بجودة الرأي. وعدم تمام ما حث عليه من تجهيز جيش أسامة وبقاء أسامة معسكرا بالجرف حتى توفي النبي ص كل ذلك يدلنا على أن في الامر شيئا وان تجهيز هذا الجيش لم يكن أمرا عاديا لقصد الغزو