وذكر أصحاب السيرة ان المسلمين لما انصرفوا من خيبر راموا حمل الباب فلم يقله منهم الا سبعون رجلا ومر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء في غزوة خيبر زيادة على هذا. قال ابن أبي الحديد: اما القوة والأيد فبه يضرب المثل فيهما قال ابن قتيبة في المعارف: ما صارع أحد قط الا صرعه وهو الذي قلع باب خيبر واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقدروا وهو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبة وكان عظيما كبيرا جدا فألقاه إلى الأرض وهو الذي اقتلع الصخرة العظيمة في أيام خلافته بيده بعد عجز الجيش كله عنها فأنبط الماء من تحتها اه. ومر في الأمر الثامن عند ذكر شجاعته في غزوة خيبر انه اقتلع باب الحصن فاجتمع عليه سبعون حتى أعادوه وفي رواية ان ثمانية نفر جهدوا ان يقلبوه فما استطاعوا وهذا أمر خارج عن مجاري العادات وقال ابن أبي الحديد قال ابن فارس صاحب المجمل قال ابن عائشة كانت ضربات علي ع في الحرب ابكارا ان اعتلى قد وان اعترض قط اه وهو الذي قطع حريثا مولى معاوية نصفين يوم صفين لما أغراه عمرو بن العاص بمبارزته وكان معاوية يعده لكل مبارز وكل عظيم وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به وكان يقول له انق عليا وضع رمحك حيث شئت وهو الذي كان يقتلع الفارس من ظهر جواده بيده ويرمي به إلى الأرض من فوق رأسه فعل ذلك أيام صفين بأحمر مولى بني أمية لما هم ان يضرب أمير المؤمنين ع بعد ان قتل كيسان مولاه فوضع أمير المؤمنين ع يده في جيب درع احمر وجذبه عن فرسه وحمله على عاتقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضديه واجهز عليه الحسين وابن الحنفية ع وهو الذي كان إذا أمسك بذراع أحد أمسك بنفسه فلم يستطع ان يتنفس ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وقد قبض على يد خالد بن الوليد ليلة المبيت على الفراش حين تقدم إليه امام القوم فجعل يقمص قماص البكر، رواه الشيخ الطوسي في أماليه.
العاشر الجهاد في سبيل الله وتفوقه فيه على كافة الخلق ملحق بالضروريات والاستدلال عليه يعد من العبث فهو كالاستدلال على وجود الشمس الضاحية وقد شهد مع رسول الله ص مشاهده كلها غير تبوك وفي جميع ها يكون الفتح له وعلى يديه وقد قتل الله بسيفه صناديد المشركين وجبابرة قريش وطواغيت العرب وفي جميع الوقائع تكون قتلاه أزيد ممن قتله باقي الجيش حتى أنه في يوم بدر زادت قتلاه على قتلى الجيش وهو شاب لم يتجاوز العشرين أو الخمسة والعشرين ومثله في هذا السن يكون قليل البصيرة بالحرب ناقص الخبرة بالطعن والضرب وهذا داخل في المعجزات خارج عن مجرى العادات ولو عد في عداد معجزات النبي ص لكان صوابا بل إذا عد علي بن أبي طالب إحدى معجزاته ص كان عين الصواب قال المفيد واما الجهاد الذي ثبتت به قواعد الاسلام واستقرت بثبوتها شرائع الملة والاحكام فقد تخصص منه أمير المؤمنين بما اشتهر ذكره في الأنام واستفاض الخبر به بين الخاص والعام ولم يختلف فيه العلماء ولا شك فيه الا غفل لم يتأمل الاخبار ولا دفعه أحد ممن نظر في الآثار الا معاند بهات لا يستحي من العناد ثم ذكر جهاده في بدر وغيرها. وقال ابن أبي الحديد:
اما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه وانه سيد المجاهدين وهل الجهاد لاحد من الناس الا له وقد عرفت ان أعظم غزاة غزاها رسول الله ص وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى قتل فيها سبعون من المشركين قتل علي ع نصفهم وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي و تاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوها اه قال ابن عبد البر في الاستيعاب: اجمعوا على أنه شهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد وانه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق وبخيبر بلاء عظيما وانه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم وكان لواء رسول الله ص بيده في مواطن كثيرة وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك ولما قتل مصعب بن عمر يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله ص إلى علي.
وقال محمد بن إسحاق شهد علي بن أبي طالب بدر وهو ابن خمس وعشرين سنة ثم روى بسنده عن ابن عباس قال دفع رسول الله ص الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة قال ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله ص منذ قدم المدينة الا تبوك فإنه خلفه رسول الله ص على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
الحادي عشر الحلم والصفح قال ابن أبي الحديد: واما الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب وأصفحهم عن مسئ وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان اعدى الناس له وأشدهم بغضا فصفح عنه وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الاشهاد وخطب يوم البصرة فقال قد أتاكم الوغب اللئيم علي بن أبي طالب وكان علي ع يقول ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب ابنه عبد الله. فظفر به يوم الجمل فاخذه أسيرا فصفح عنه وقال اذهب فلا أرينك لم يزده على ذلك وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة وكان له عدوا فاعرض عنه ولم يقل له شيئا وقد علمتم ما كان من عائشة في امره فلما ظفر بها أكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم وقلدهن بالسيوف فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز ان يذكر به وتأففت وقالت هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي فلما وصلت المدينة القى النساء عمائمهن وقلن لها انما نحن نسوة. وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيف وسبوه ولعنوه فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم ونادى مناديه في أقطار المعسكر ألا لا يتبع مول ولا يجهز على جريح ولا يقتل مستأسر ومن القى سلاحه فهو آمن ومن تحيز إلى عسكر الامام فهو آمن ولم يأخذ من أثقالهم ولا سبى ذراريهم ولا غنم شيئا من أموالهم ولو شاء ان يفعل كل ذلك لفعل ولكنه أبى الا الصفح والعفو وتقيل سنة رسول الله ص يوم فتح مكة فإنه عفا والاحقاد لم تبرد والإساءة لم تنس ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا سألهم علي وأصحابه ان يسوغوا لهم شرب الماء فقالوا لا والله ولا قطرة حتى تموت ظما كما مات ابن عفان فلما رأى أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي وملكوا عليهم الماء وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم فقال له أصحابه وشيعته أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة واقتلهم بسيوف العطش وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة إلى الحرب فقال لا والله لا أكافيهم بمثل فعلهم أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلك قال فهذه ان نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالا وحسنا وإن نسبتها إلى الدين والورع فاخلق بمثلها ان تصدر عن مثله ع اه.