وفي يوم خيبر كان علي أرمد لا يبصر سهلا ولا جبلا فلذلك بعث النبي ص اثنين غيره من المهاجرين فرجعا منهزمين أحدهما يجبن أصحابه ويجبنونه والآخر يؤنب أصحابه ويؤنبونه فقال النبي ص لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه فدعا بعلي فتفل في عينيه فبرئا وأعطاه الراية فلقيه مرحب وعلى رأسه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة فضربه علي فقد الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه وسمع أهل العسكر صوت تلك الضربة واقتلع باب الحصن وجعله جسرا على الخندق وكان يغلقه عشرون رجلا فلما انصرفوا من الحصن دحا به أذرعا واجتمع عليه سبعون رجلا حتى أعادوه وتترس بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر فأي شجاع في الكون يصل إلى هذه الشجاعة.
وفي غزوة حنين ثبت مع النبي ص وقد هرب عنه الناس غير عشرة تسعة منهم من بني هاشم هو أحدهم وفيهم العباس وابنه وقتل علي أبا جرول وأربعين من المشركين غيره وانهزم المشركون بقتله وقتلهم ورجع المسلمون من هزيمتهم بثباته وثبات من معه الذين انما ثبتوا بثباته لأنه لم يؤثر عنهم شجاعة كما أثر عنه. وفي جميع الوقائع والغزوات كان له المقام الأسمى في الشجاعة والثبات.
وفي يوم الجمل وصفين والنهروان باشر الحرب بنفسه وقتل صناديد الأبطال وجدل أبطال الرجال.
وفي يوم الجمل ثبت الفريقان واشرعوا الرماح بعضهم في صدور بعض كأنها أجلم القصب ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت وكان يسمع لوقع السيوف أصوات كأصوات القصارين، ولما اشتد القتال زحف نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه ثم حمل فغاص في عسكر الجمل حتى طعن العسكر ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه نحن نكفيك فلم يجبهم ولا رد إليهم بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد ثم حمل ثانية وحده فدخل وسطهم والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته ثم قال لابنه محمد بن الحنفية هكذا تصنع يا ابن الحنفية. فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين.
ومن مواقفه بصفين ما كان يوم الهرير قال بعض الرواة فوالله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي، أنه قتل في ما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من اعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله وإليكم من هذا فكنا نأخذه ونقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف. فلا والله ما ليث أشد نكاية منه بعدوه.
حلمه وإذا نظرنا إلى حلمه وصفحه وجدناه أحلم الناس وكفانا لاثبات بلوغه أعلى درجات الحلم حلمه عن أهل الجمل عموما وعن مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير خصوصا فقد ظفر بمروان يوم الجمل وكان أعدى الناس له فصفح عنه وكان عبد الله بن الزبير من أعدى الناس له وكان يشتمه على رؤوس الاشهاد فاخذه يوم الجمل أسيرا فصفح عنه وقال اذهب فلا أرينك لم يزده على ذلك وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة وكان له عدوا فاعرض عنه ولم يقل له شيئا ولم يعاقب أحدا من أهل الجمل وأهل البصرة ونادى مناديه ألا لا يتبع مول ولا يجهز على جريح ولا يقتل مستأسر ومن ألقى سلاحه فهو آمن وتقيل سنة رسول الله ص يوم فتح مكة ولما ملك عليه أهل الشام الشريعة ومنعوه وأصحابه من الماء ثم ملكها عليهم قال له أصحابه أمنعهم كما منعونا فقال لا والله لا أكافيهم بمثل فعلهم. وكان يوصي جيوشه أن لا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح.
عدله وإذا نظرنا إلى عدله لم يجد له في العدل مشابها قال ابن الأثير في أسد الغابة إن زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما ومر كلام الاستيعاب في ذلك عند ذكر صفته في أخلاقه وأطواره وما ذا يقول القائل في عدل خليفة يجد في مال جاءه من أصبهان رغيفا فيقسمه سبعة أجزاء كما قسم المال ويجعل على كل جزء جزءا. ويساوي بين الناس في العطاء ويأخذ كأحدهم.
فصاحته وإذا نظرنا إلى فصاحته وبلاغته وجدناه إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وحسبك أن يقال في كلامه أنه بعد كلام الرسول ص فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق. وقول عدوه معاوية: والله ما سن الفصاحة لقريش غيره. وأنه لم يدون لأحد من الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له: ويقبح بنا أن نقيم شيئا من الأدلة والشواهد على ذلك فإنه كإقامة الدليل على الشمس الضاحية:
- وليس يصح في الأذهان شئ * متى احتاج النهار إلى دليل - ولا أدل على ذلك مما أثر عنه وجمع من كلامه كنهج البلاغة وغيره وسنتكلم على نهج البلاغة مستقلا انش.
زهده وإذا نظرنا إلى زهده في الدنيا أخذنا العجب والبهر من رجل في يده الدنيا كلها عدى الشام العراق وفارس والحجاز واليمن ومصر وهو يلبس الخشن ويأكل الجشب مواساة للفقراء ويقول يا دنيا غري غيري الخ ولم يخلف إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله ويفرق جميع ما في بيت المال ثم يأمر به فيكنس ثم يصلي فيه رجاء أن يشهد له. وما شبع من طعام قط. وقد بلغ من زهده في الدنيا أن تكون الدنيا عنده أهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. كما في بعض كلامه وأن تكون الإمرة عنده لا تساوي نعلا قيمتها ثلاثة دراهم إلا أن يقيم حقا أو يدفع باطلا كما قاله لابن عباس وهو سائر إلى البصرة.
الجود والسخاء وإذا نظرنا إلى جوده وسخائه وجدناه أسخى من السحاب الهاطل ووجدناه لا يبارى في ذلك ولا يماثل قال الشعبي كان أسخى الناس وقال عدوه معاوية لو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه وكان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها ويقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ولم يخلف ميراثا وكانت الدنيا كلها بيده عدى الشام ولم يعمل بآية النجوى غيره. واعتق ألف عبد من كسب يده ولم يقل لسائل لا قط.
حسن الخلق وإن نظرنا إلى حسن أخلاقه وجدناه يضرب به المثل في ذلك حتى