من الرأي إليه اتبع قول من قال إن التشيع حزب سياسي لا مذهب ديني.
وكيف لا يكون مذهبا دينيا وقد أخذت أصوله وفروعه عن الرسول الأعظم ص وعن ابن عمه وباب مدينة علمه وعن أئمة أهل البيت الطاهر ع لا سيما عن الامامين الباقر وابنه الصادق ع بالنقل الصحيح أو المتواتر والنص الصريح لا بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ودون من العصر الأول وألفت فيه المؤلفات العظام وضبطت وحررت أحاديثه وما زالت توضع في أصوله وفروعه المؤلفات وتدرس من العصر الأول إلى اليوم كما بيناه مفصلا في المقدمات ورواها الخلف عن السلف حتى وصلت إلينا وقد بينا في هذا الجزء خلاصة عقيدة الشيعة وأشياء تتعلق بالمقام فليرجع إليه من أراد. وأما أنهم كفروا كل من لم يوافقهم على هواهم فالشيعة بعيدة عن اتباع الأهواء بما ورثته وتعلمته من أئمتها أهل البيت الطاهر والشيعة لا تكفر أحدا من أهل القبلة. وتقول بحرمة المال والدم وجواز التناكح وثبوت التوارث بين جميع فرق المسلمين وإن اختلفوا في المذاهب والنحل حتى إن من يكون لازم اعتقادهم التجسيم يجري في حقهم ذلك إذا لم يصرحوا بالتجسيم وكتبهم الفقهية المطبوعة المنتشرة في أقطار العالم مصرحة بذلك ومكذبة لهذه النسبة وإنما ذلك دأب غيرهم ويصدق في المقام التمثل بقول من قال زمتني بدائها وانسلت.
وأما أن متأخريهم أدخلوا في معتقداتهم ما لم يقل به متقدموهم فمتقدموهم ومتأخروهم في العقيدة شرع سواء وهي التي أشرنا إليها آنفا وذكرنا خلاصتها في المقدمات لا يحيدون عنها قيد أنملة. ولم يدخلوا في معتقداتهم أن الله تعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى سطوح المساجد ولا أنه يرى بالعين الباصرة يوم القيامة ولا أن النبي ص رآه ليلة المعراج بعيني رأسه كما قال قائلهم عند بيان العقيدة:
- وقد رأى الله بعيني رأسه * في ليلة المعراج لما صعدا - ولا أن العبد مجبور على أفعاله ومثاب ومعاقب على ما أجبر عليه ولا غير ذلك مما يطول الكلام بنقله.
وأما قوله: فيمن أخلص الناس لدعوتهم فالناس لم تخلص في زمان لأحد اختيارا وبكل رغبة وحرية، بل بعضها أخلص لما قيل له قد ولى ابنك فقال وصلته رحم، وقبلها كان يدعو إلى منابذته، وبعضها وهم الأوس أخلص لما رأى موقف سعد حسدا له، وبعضها لما رأى موقف الخزرج فخاف تقدم الأوس عليهم في المكانة، وبعضها أخلص بعضا لعلي بن أبي طالب الذي قتل أبناءهم وآباءهم وإخوانهم وقراباتهم في جهاد الايمان مع الشرك وبقي سعد على إصراره فنفي إلى حوران وقتله الجن بسهم المغيرة بن شعبة!! وبعضها لما هدد باحراق البيت على من فيه. أما قوله وفرقوا بين أجزاء القلوب فالذين فرقوا بين أجزاء القلوب وضربوا الاسلام في صميمه حرصا على الرئاسة وحطام الدنيا هم الذين لا يزال الأستاذ يشيد بذكرهم ويتغنى بمدائحهم. ولسنا نحتاج في إثبات ذلك إلى أزيد من مراجعة ما اتفق عليه جميع المؤرخين من أخبارهم حتى صار من ضروريات التاريخ، والشيعة أورع وأتقى لله بما ورثوه وأخذوه عن أئمة أهل البيت الطاهر من أن يعبثوا بالتاريخ من أجل المذهب ويموهوا على السخفاء ليصوروا الأحداث على ما يشاؤون لتأييد مذهبهم وإنما ذلك دأب غيرهم وهو أشد ما يرمض النفوس في هذا الباب وإلا فلأي حال ألحدت بالليل فاطمة الشريفة والنبي ص لم يخلف سواها وانحصرت ذريته فيمن تولد منها وإن كانت دفنت جهارا لا سرا فلا يعقل أن يغيب عن تشييع جنازتها أحد من المسلمين وإذا كان الأمر كذلك فلا يعقل أن يجهل موضع قبرها حتى اليوم ويقع الخلاف فيه أنه في بيتها أو بين القبر والمنبر أو في البقيع.
ابن شهرآشوب أما ابن شهرآشوب الذي سماه شهرآشوب تسرعا وقلة مبالاة به فهو رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني المتوفى ليلة 22 من شعبان سنة 588 بحلب والمدفون بظاهرها في جبل الجوشن وهو ممن اتفق علماء الفريقين من السنيين والشيعيين على مدحه وتبجيله وتبحره في العلوم ولم يخالف في ذلك إلا مجلة المجمع العلمي بدمشق عند ذكر كتابه مناقب آل أبي طالب وأظن أنه لو كان كتابه في مناقب بني أمية لاستحق كل تعظيم وتبجيل لكن كون كتابه في مناقب آل أبي طالب أوجب استحقاقه كل هذا الذم والتحقير.
أقوال علماء الشيعة فيه حكى الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان عن ابن أبي طي في تاريخه أنه اشتغل بالحديث ولقي الرجال ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت وتتبع في الأصول ثم تقدم في القراءة والغريب والتفسير والعربية وصنف في المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف والفصل والوصل وفرق بين رجال الخاصة ورجال العامة وكان كثير الخشوع وفي نقد الرجال شيخ هذه الطائفة وفقيهها وكان شاعرا بليغا منشئا له كتب منها كتاب الرجال وفي أمل الآمل كان عالما فاضلا ثقة محدثا محققا عارفا بالرجال والأخبار أديبا شاعرا جامعا للمحاسن له كتب وحكى المجلسي في مقدمات البحار عنه أنه قال في كتابه المناقب حدثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير وبكتاب روضة الواعظين وأنبأني الطبرسي بمجمع البيان وإعلام الورى وأجاز لي أبو الفتوح رواية روض الجنان وناولني أبو الحسن البيهقي حلية الاشراف وأذن لي الآمدي في غرر الحكم ووجدت بخط أبي طالب الطبرسي كتابه الاحتجاج. وقال أبو علي في رجاله هو شيخ الطائفة لا يطعن في فضله صرح بذلك جملة من المشايخ أقول وقد عد المترجمون له ثلاثة عشر مؤلفا.
أقوال علماء السنة فيه قال العلامة شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي تلميذ السيوطي في كتابه طبقات المفسرين في حقه: أحد شيوخ الشيعة اشتغل بالحديث ولقي الرجال ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل مذهبه وتتبع في الأصول حتى صار رحلة ثم تقدم في علوم القرآن والقراءات والتفسير والنحو وكان إمام عصره وواحد دهره غلب عليه علم القرآن والحديث وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة وتصانيفه في تعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتفقه ومفترقه إلى غير ذلك من أنواعه واسع العلم كثير الفنون قال ابن أبي طي ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة الحنبلي وابن بطة الشيعي حتى قدم الرشيد فقال ابن بطة الحنبلي بالفتح وابن بطه الشيعي بالضم وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان انه من دعاة الشيعة ثم نقل كلام ابن أبي طي السابق وقال الفيروزآبادي في كتاب البلغة بلغ النهاية في أصول الشيعة وتقدم في علم القرآن واللغة