جماعة من الاعلام كابن حنبل وابن معين وأبي حاتم: لقائل أن يقول كيف ساع توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان وجوابه إن البدعة ضربان صغرى كغلو التشيع أو التشيع بلا غلو ولا تحرق فهذا كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة ثم بدعة كبرى إلى آخر كلامه. وهذه شهادة من هذا الحافظ الكبير بتفرد الشيعة من التابعين وتابعيهم بحفظ جملة الآثار النبوية ولو كان قد رواها غيرهم لما أوجب رد حديثهم ذهاب شئ منها.
بل إن أئمة المذاهب الأربعة وأئمة المحدثين قد أخذ أكثرهم عن فقهاء الشيعة فالامام أبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق. وإبراهيم بن محمد بن سمعان المدني الأسلمي مولاهم كان شيخ الإمام الشافعي وكان من الشيعة ومحمد بن فضيل بن غزوان الضبي كان شيخ الإمام أحمد بن حنبل كما مر في القراء ويأتي في الفقهاء. وعبيد الله بن موسى العبسي الكوفي شيخ الامام البخاري كان من الشيعة كما نص عليه السمعاني في الأنساب والذهبي في المختصر وميزان الاعتدال وتذكرة الحفاظ وصاحب كتاب دول الإسلام وابن الأثير في الأنساب وأبو داود وابن سعد وابن حبان. ويعقوب بن سفيان وأبو مسلم البغدادي الحافظ وابن قانع والساجي وغيرهم.
الستة الآلاف والستمائة الكتاب في الحديث للشيعة وصنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للأئمة من عهد أمير المؤمنين ع إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري ع في الأحاديث المروية من طريق أهل البيت ع المستمدة من مدينة العلم النبوي ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب مذكورة في كتب الرجال على ما ضبطه الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي صاحب الوسائل من أهل المائة الثالثة عشرة في آخر الفائدة الرابعة من وسائله وأخذه من التراجم لأصحاب المؤلفات. فجمع ما ذكره الرجاليون لكل واحد فكان بهذا المقدار. وحيث وصل الكلام بنا إلى هذا الموضع فلنذكر أيضا الأصول الأربعمائة والكتب الأربعة المجموعة منها وإن خالف ذلك ما التزمناه من التوزيع على الطبقات لئلا يكون الكلام على كتب الحديث مبتورا ولتنساق كلها في مساق واحد فنقول:
الأصول الأربعمائة وامتاز من بين هذه الستة الآلاف والستمائة الكتاب أربعمائة كتاب عرفت عند الشيعة بالأصول الأربعمائة. قال الشيخ المفيد: صنف الامامية من عهد أمير المؤمنين ع إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري ع أربعمائة كتاب تسمى الأصول قال فهذا معنى قولهم له أصل. وقال الطبرسي في كتاب إعلام الورى: صنف من جوابات الصادق ع في المسائل أربعمائة كتاب معروفة تسمى الأصول رواها أصحابه وأصحاب أبيه موسى. وقال المحقق في المعتبر: كتب من أجوبة مسائل جعفر بن محمد أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف سموها أصولا ومثله في الذكرى إلا إنه لم يقل سموها أصولا. ويدل كلام المفيد السابق على أن الأصول الأربعمائة مروية عن جميع الأئمة وكلام الطبرسي والمحقق والشهيد على انها مروية عن الإمام الصادق خاصة. ويمكن الجميع بالتعدد فهناك أصول أربعمائة مروية عن جميع الأئمة وأخرى مروية عن الصادق خاصة.
الفرق بين الكتاب والأصل ومن ذلك يعلم أن الكتاب أهم من الأصل لأن الكتب أربعة آلاف أو ستة آلاف والأصول أربعمائة. وخصوصية الأصول التي امتازت بها أما زيادة جمعها أو كون أصحابها من الأعيان أو غير ذلك وقد قيل في الفرق بينهما ان الأصل ما اقتصر فيه على الأخبار دون المباحث للمصنف والكتاب يعمهما أو الأصل مجمع أخبار من دون تبويب يشتمل السؤال والجواب على عدة مسائل من أبواب شتى فيذكر كما هو والكتاب أعم أو الأصل مجمع أخبار تناولها المؤلف من الامام أو الراوي دون ما جمع من الكتب المتناولة منهما. وكل ذلك حدس وتخمين. وهذه الأصول الأربعمائة قد بقي بعضها إلى الاعصار الأخيرة بل إلى هذا العصر في خزائن الكتب عند علماء الشيعة فقد كان بعضها عند المحدث الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي وعند المجلسي وعند معاصرنا الميرزا حسين النوري وعند غيرهم وأكثرها قد تلف لكن مضامينها محفوظة في الكتب المجموعة منها لأن قدماء أصحابنا من أوائل المائة الرابعة إلى أواسط المائة الخامسة قد جمعوا مما فيها وما في غيرها مما جمع منها مما صحت روايته عندهم أو لم يثبت بطلانها أربعة كتب مبوبة حاوية للفقه كله من الطهارة إلى الديات وبعضها حاو لجملة من الأصول وغيرها صار عليها المعول وإليها المرجع فاستمد منها فقهاء الشيعة وعلماؤهم قديما وحديثا بحسب ما أدى إليه بحثهم ونظرهم في حجية الخبر من الصحيح والموثق والحسن والمجبور بالشهرة وغير ذلك مما فصل في كتب أصول الفقه وسنأتي على ذكر الكتب الأربعة المذكورة في طبقة مؤلفيها أنش.
فمن التابعين علي بن أبي رافع مولى رسول الله ص وصاحب أمير المؤمنين علي ع وكاتبه وخازنه قال النجاشي عند ذكر الطبقة الأولى من مؤلفي الشيعة بعد ذكر أبي رافع وإن له كتاب السنن والأحكام والقضايا: ولابن أبي رافع كتاب آخر وهو علي بن أبي رافع تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين ع وكان كاتبا له وله حفظ كثير وجمع كتابا في فنون من الفقه الوضوء والصلاة وسائر الأبواب وذكر سنده إليه وإنه يعني عليا ع كان يقول إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده وذكر الكتاب ثم قال قال عمر بن محمد أخبرني موسى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه انه كتب هذا الكتاب عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع و (1) كانوا يعظمونه ويعلمونه. وروى النجاشي بسنده عن موسى بن عبد الله بن الحسن إنه قال سال رجل أبي عن التشهد فقال هات كتاب ابن أبي رافع فأخرجه وأملاه علينا قال وقد طرق عمر بن محمد هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين ع وذكر السند حتى انتهى إلى علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه محمد عن جده عمر بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ع وذكر أبواب الكتاب اه وبذلك يصلح أن يعد من مؤلفات أمير المؤمنين ع لأنه لا فرق بين من يؤلف كتابا ويكتبه بيده وبين من يمليه على تلميذه فيؤلفه ويكتبه. وعليه فعلي بن أبي رافع أول من صنف في علم الفقه ودونه ورتبه على الأبواب. قال السيوطي في الأوائل: أول من صنف في الفقه بعد المائة الأولى أبو حنيفة ره اه وتصنيف علي بن أبي رافع كان في زمن علي ع في الثلث الأول من المائة الأولى قبل ولادة الامام أبي حنيفة بزمن طويل المائة الأولى.