وعظم عليهم مقامه فيها وعلموا انها تنحرس به ولا يكون فيها للعدو مطمع فساءهم ذلك وكانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نايه عن المدينة وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها وغبطوه على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر فارجفوا به وقالوا لم يستخلفه اكراما واجلالا ومودة وانما خلفه استثقالا له فبهتوه بهذا الارجاف وهم يعلمون ضده فلما بلغه ذلك أراد تكذيبهم فلحق بالنبي ص فأخبره قولهم فقال له النبي ارجع يا أخي إلى مكانك فان المدينة لا تصلح الا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا إنه لا نبي بعدي ولو علم الله لنبيه في هذه الغزوة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وبقائه في دار هجرته اه.
بعث سورة براءة مع علي ع في ذي الحجة سنة تسع من الهجرة وقد مر في الجزء الثاني مفصلا ونعيده هنا باختصار وان لزم بعض التكرار:
قال الشيخ الطوسي في المصباح: في أول يوم من ذي الحجة سنة 9 من الهجرة بعث النبي ص سورة براءة حين أنزلت عليه مع أبي بكر ثم نزل عليه انه لا يؤديها عنك الا أنت أو رجل منك فانفذ عليا حتى لحق أبا بكر فاخذها منه. وروى الطبري في تفسيره بسنده عن زيد بن يثيغ قال نزلت براءة فبعث بها رسول الله أبا بكر ثم ارسل عليا فاخذها منه فلما رجع قال هل نزل في شئ قال لا ولكن امرت ان ابلغها انا أو رجل من أهل بيتي فانطلق علي إلى مكة فقام فيهم بأربع: ان لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا. ولا يطوف بالبيت عريان. ولا يدخل الجنة الا نفس مسلمة. ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته اه وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عباس ان رسول الله ص بعث أبا بكر وأمره ان ينادي بهؤلاء الكلمات فاتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله ص فخرج فزعا فظن أنه رسول الله ص فإذا هو علي إلى أن قال فنادى علي ان الله برئ من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخلن الجنة الا مؤمن وبسنده عن زيد بن يثيغ: سألنا عليا بأي شئ بعثت في الحجة قال بعثت بأربع: لا يدخلن الجنة الا نفس مؤمنة. ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامهم هذا ومن كان بينه وبين النبي ص عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فاجله أربعة أشهر. وروى النسائي في الخصائص بسنده عن سعد: بعث رسول الله ص أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق ارسل عليا فاخذها منه فوجد أبو بكر في نفسه فقال رسول الله ص لا يؤدي عني الا انا أو رجل مني. وفي رواية أخرى للنسائي: لا ينبغي ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي وبسنده عن زيد بن يثيغ: بعث رسول الله ص ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر ثم اتبعه بعلي فلحقه فاخذ الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب فقال أ نزل في شئ قال لا إلا اني امرت ان ابلغه انا أو رجل من أهل بيتي اه ولحقه علي بذي الحليفة على ناقة رسول الله ص العضباء وذو الحليفة ميقات أهل المدينة بينه وبينها ستة أميال وقيل لحقه بالعرج موضع بين مكة والمدينة وقيل بالروحاء من عمل الفرع. والأقرب إلى الاعتبار ان يكون لحقه بذي الحليفة. قال المجلسي أجمع المفسرون ونقلة الاخبار انه لما نزلت براءة دفعها رسول الله ص إلى أبي بكر ثم اخذها منه ودفعها إلى علي بن أبي طالب واختلفوا فقيل اخذها منه فقرأها على الناس وكان أبو بكر أميرا على الموسم وروى أصحابنا انه ولى عليا الموسم أيضا وقال المفيد في الارشاد: ومن ذلك ما جاء في قصة براءة. وقد دفعها النبي ص فقال له ان الله يقرئك السلام ويقول لك لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك فاستدعى عليا وقال له اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر فخذ براءة من يده وامض بها إلى مكة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم وخير أبا بكر بين ان يسير مع ركابك أو يرجع إلي فركب أمير المؤمنين ناقة رسول الله ص العضباء وسار حتى لحق بأبي بكر فلما رآه فزع من لحوقه به واستقبله فقال فيم جئت يا أبا الحسن أ سائر أنت أم لغير ذلك فقال إن رسول الله امرني ان ألحقك فاقبض منك الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم وأمرني ان أخيرك بين ان تسير معي أو ترجع إليه فقال بل ارجع إليه وعاد إلى النبي ص فلما دخل عليه قال يا رسول الله انك أهلتني لأمر طالت الأعناق إلي فيه فلما توجهت له رددتني عنه ما لي أ نزل في قرآن فقال لا ولكن الأمين جبرئيل هبط إلي عن الله عز وجل بأنه لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك وعلي مني ولا يؤدي عني إلا علي في حديث مشهور. وكان نبذ العهد مختصا بمن عقده أو بمن يقوم مقامه في فرض الطاعة وجلالة القدر وعلو الرتبة وشرف المقام. ومن لا يرتاب بفعاله ولا يعترض عليه في مقامه. ومن هو كنفس العاقد وأمره امره فإذا حكم بحكم مضى واستقر وامن الاعتراض فيه.
وكان بنبذ العهد قوة الاسلام وكمال الدين واصلاح أمر المسلمين وفتح مكة واتساق أمر الصلاح فأحب الله تعالى ان يجعل ذلك في يد من ينوه باسمه ويعلي ذكره وينبه على فضله ويدل على علو قدره ويبينه به ممن سواه وكان ذلك أمير المؤمنين ع ولم يكن لأحد من القوم فضل يقارب الفضل الذي وصفناه ولا يشرك فيه أحد منهم على ما بيناه اه.
اخباره في وفد نجران سنة عشر من الهجرة ونجران ببلاد اليمن كان أهلها نصارى ذكر المؤرخون هذا الوفد وذكروا سنة قدومه ولم يذكروا الشهر قال ابن الأثير في حوادث سنة عشر:
ذكر وفد نجران مع السيد والعاقب ثم قال واما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله ص وأرادوا مباهلته فخرج ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين فلما رأوهم قالوا هذه وجوه لو أقسمت على الله ان يزيل الجبال لأزالها ولم يباهلوه وصالحوه على ألفي حلة ثمن كل حلة أربعون درهما وعلى ان يضيفوا رسله وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ان لا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا وشرط عليهم ان لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به اه.
وفي وفد نجران نزلت آية المباهلة وهي قوله تعالى في سورة آل عمران ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممتدين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين قال الرازي في تفسيره أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت عند حضور وفد نجران عند الرسول ص وقال