وعشرين ليلة وقيل خمسة عشر يوما ويوشك ان يكون صحف أحدهما بالآخر حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وقد كان حيي بن اخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما عاهده عليه فلما أيقنوا انه ص غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال لهم كعب بن أسد إني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا بما شئتم منها: نتابع هذا الرجل فوالله لقد تبين لكم انه نبي مرسل قالوا لا نفارق حكم التوراة، قال: إذا أبيتم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج بأسيافنا فان نهلك لم نترك وراءنا ما نخشى عليه وان نظهر لنجدن بدله، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم، قال فان أبيتم فالليلة السبت عسى ان يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب منهم غرة، قالوا نفسد علينا سبتنا، قال ما بات رجل منكم منذ ولدته امه حازما. ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله ص ان ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف من الأوس وكان بنو قريظة حلفاءهم لنستشيره فأرسله إليهم فقام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم، فقالوا يا أبا لبابة أ ترى ان ننزل على حكم محمد؟ قال نعم، وأشار بيده إلى حلقه انه الذبح، قال فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت اني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله ص حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي فنزلت فيه: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون. قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله ص خبره قال: اما انه لو جاءني لاستغفرت له اما الآن فما أنا بالذي اطلقه حتى يتوب الله عليه فأقام مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع حتى نزلت توبته بقوله تعالى:
وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ان الله غفور رحيم، فثار إليه الناس ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده فاطلقه. واسطوانة أبي لبابة معروفة في المسجد النبوي إلى اليوم. فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله ص فامر بهم فكتفوا ونحوا ناحية واخرج النساء والذرية فكانوا ناحية، وانما نزلوا على حكمه بعد الذي سمعوه من أبي لبابة لأنهم لم يجدوا مناصا واملوا النجاة بشفاعة الأوس حلفائهم. ووجد في حصونهم ألف وخمسمائة سيف وثلثمائة درع وألفا رمح وألف وخمسمائة ترس فتواثبت الأوس وطلبوا من النبي ص ان يهبهم إياهم لأنهم حلفاؤهم كما وهب بني قينقاع للخزرج حين نزلوا على حكمه لأنهم حلفاؤهم، فقال ص: أ لا ترضون يا معشر الأوس ان يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا بلى قال فذاك إلى سعد بن معاذ وكان بعد قد أصابه سهم يوم الخندق في اكحله فجعله رسول الله ص في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده ليكون قريبا منه وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين فلما حكمه رسول الله ص حمله قومه على حمار وأقبلوا به إلى رسول الله ص وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فلما انتهى إلى رسول الله قال ص قوموا إلى سيدكم فانزلوه فقاموا إليه فقالوا ان رسول الله قد ولاك مواليك لتحكم فيهم، قال فاني احكم فيهم بان تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار، فقال رسول الله ص: حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة، ثم استنزلوا، وانصرف ص يوم الخميس لسبع ليال خلون من ذي الحجة إلى المدينة وأمر بهم فأدخلوا المدينة فحبسوا في دار رملة بنت الحارث من بني النجار وهي الدار التي كان النبي ص ينزل بها الوفود ثم خرج رسول الله ص إلى موضع السوق فخندق فيه خنادق وخرج معه المسلمون وأمر بهم ان يخرجوا وتقدم ان تضرب أعناقهم في الخندق، فاخرجوا ارسالا وقتلوا وفيهم حيي بن اخطب ورئيسهم كعب بن أسد وكانوا بين الستمائة والسبعمائة وبعضهم يقول بين الثمانمائة والتسعمائة، وكان يقتل منهم من انبت، فقالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم يا كعب ما ترى يصنع بنا؟
فقال في كل موطن لا تعقلون، ألا ترون الداعي لا ينزع ومن ذهب به منكم لا يرجع، وهو والله القتل. وجئ بحيي بن اخطب وعليه حلة قد شققها كموضع أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله ص قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال: انه لا باس بأمر الله كتاب الله وقدره وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل. وقتل من نسائهم امرأة واحدة كانت ألقت رحى على رجل من المسلمين فشدخته واسلم منهم اثنان فسلما. فلما قتلوا انفجر جرح سعد بن معاذ فمات منه شهيدا. وفي بني قريظة انزل الله تعالى قوله: وانزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها أي خيبر وكان الله على كل شئ قديرا.
غزوة بني لحيان في ربيع الأول وقيل في جمادي الأولى سنة ست من الهجرة على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة وكانوا بناحية عسفان خرج ص إليهم يطلب بأصحاب الرجيع ويأتي ذكرهم في السرايا وأظهر انه يريد الشام ليصيب منهم غرة وعسكر غرة ربيع الأول في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم أسرع السير حتى أتى بطن غران وهي منازل بني لحيان وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث قتل أصحاب الرجيع فترحم عليهم ودعا لهم فسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فأقام يوما أو يومين وبعث السرايا في كل ناحية فلم يقدروا على أحد ثم خرج حتى أتى عسفان في مائتي راكب من أصحابه ليرى أهل مكة انهم قد جاءوها ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم عاد إلى المدينة وهو يقول: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون وفي رواية تائبون آئبون إن شاء الله حامدون لربنا عابدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال وغاب عن المدينة أربع عشرة ليلة.
غزوة ذي قرد ويقال غزوة الغابة في ربيع الأول سنة ست من الهجرة وذو قرد بفتح القاف والراء وقيل غير ذلك اسم ماء على بريد من المدينة في طريق الشام والقرد في الأصل الصوف الردئ والغابة الشجر الملتف وسببها انه كان لرسول الله ص عشرون لقحة ترعي بالغابة واللقحة القريبة الولادة وكان فيها أبو ذر ومعه ابنه وامرأته وثلاثة نفر فأغار عليها عيينة بن حصن ليلة الأربعاء في أربعين فارسا فاستاقوها وقتلوا ابن أبي ذر واحتملوا المرأة ونجا أبو ذر والثلاثة النفر وأول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي غدا يريد الغابة حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في