ص بها فنبضت عظامها وألقيت وبني المسجد في موضعها وعمل فيه رسول الله ص والمهاجرون والأنصار وقال قائلهم:
- لئن قعدنا والنبي يعمل * لذاك منا العمل المضلل - قال ابن هشام في سيرته: وارتجز علي بن أبي طالب يومئذ:
- لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا - - ومن يرى عن الغبار حائدا - فاخذهما عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله ص انه انما يعرض به فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن ابن إسحاق وقد سمى ابن إسحاق الرجل فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله اني لأراني سأعرض هذه العصا لانفك وفي يده عصا فغضب رسول الله ص ثم قال: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. ان عمارا جلدة ما بين عيني وانفي الحديث وما في السيرة الحلبية: من أن الرجل الذي ظن أن عمارا يعرض به هو عثمان بن مظعون غير صحيح ولو كان هو لما كتم ابن هشام اسمه واقتصر على قوله: وقد سمى ابن إسحاق الرجل بل هو ممن يحتشم من التصريح باسمه وكان لابسا ثيابا بيضا ويحيد عن الغبار. فبنى حائطه أولا بالحجارة ثم باللبن إلى أن جعل بقدر قامة وجعل له سواري من جذوع النخل وجعل فوقها عريش وبنى بجانبه مساكن له ولأصحابه وأقام في منزل أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى مسجده ومساكنه وما في طبقات ابن سعد: انه ص بعث من منزل أبي أيوب، زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجته مخالف لما عليه عامة الرواة وللاعتبار وبقي في المدينة عشر سنين ثم قبض ص.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة.
قد عرفت انه ص آخى بين المهاجرين قبل الهجرة وآخى بين علي ونفسه ع ثم إنه ص آخى بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة وفي رواية ابن سعد في الطبقات انه ص لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين بعضهم لبعض وآخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمواساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام قال وكانوا تسعين رجلا خمسة وأربعون من المهاجرين وخمسة وأربعون من الأنصار ويقال كانوا مائة خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار فلما كانت وقعة بدر وانزل الله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة في الميراث ورجع كل انسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه اه ويظهر ان هذه المؤاخاة كانت أولا بين مهاجري ومهاجري ثم بين المسلمين عموما فقد تكون بين مهاجري ومهاجري وبين مهاجري وأنصاري وبين أنصاري وأنصاري ففي السيرة الحلبية انه آخى بعد الهجرة بين أبي بكر وعمر وبين أبي بكر وخارجة بن زيد وبين عمر وعتبان بن مالك وبين أبي رويم الخثعمي وبلال وبين أسيد بن حضير وزيد بن حارثة وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين جعفر بن أبي طالب وهو غائب بالحبشة ومعاذ بن جبل وبين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمر وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين سلمان وأبي الدرداء قال ثم اخذ بيد علي بن أبي طالب وقال هذا أخي فكان رسول الله ص وعلي أخوين. قال وفي رواية لما آخى رسول الله ص بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال له رسول الله ص أنت أخي في الدنيا والآخرة اه وفي ذلك يقول أبو تمام:
- اخوه إذا عد الفخار وصهره * فما مثله أخ ولا مثله صهر - وعن ابن إسحاق آخى رسول الله ص بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال تآخوا في الله أخوين اه وهذا من أقوى السياسات الاسلامية وجاء في القرآن الكريم انما المؤمنون اخوة بصيغة الحصر.
وقد ذكر الدكتور محمد حسين هيكل خبر المؤاخاة في كتابه حياة محمد ص فقال كان أول ما انصرف إليه تفكيره ص تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم للقضاء على كل شبهة في أن تثور العداوة القديمة بينهم ولتحقيق هذه الغاية دعا المسلمين ليتأخوا في الله أخوين أخوين فكان هو وعلي بن أبي طالب أخوين وعمه حمزة ومولاه زيد أخوين وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الخزرجي أخوين اه فتراه كيف ذكر مؤاخاة النبي ص لعلي كأمر عادي لا يزيد على المؤاخاة بين باقي الصحابة بعضهم مع بعض ولم يشر إلى ما في هذه المؤاخاة من مغزى كما هو مبنى كتابه ولا أعارها جانبا من الأهمية وتركها غفلا كسائر الأمور العادية وهي أولى بان تكون رمزا إلى الميزة على سائر الناس وانه لا كفؤ لمؤاخاته سواه وإلى الوزارة التي أثبتها قبل ذلك بقليل لغيره.
الأذان والإقامة.
في السيرة الحلبية وغيرها انه في السنة الأولى من الهجرة شرع الأذان والإقامة وفيها عن الموطأ ان المؤذن جاء عمر يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما فقال الصلاة خير من النوم فامره عمر ان يجعلها في نداء الصبح. وفي السيرة الحلبية أيضا: نقل عن ابن عمر وعن علي بن الحسين انهما كانا يقولان في أذانهما بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل اه وروى البيهقي في سننه بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه ان علي بن الحسين كان يقول في أذانه إذا قال حي على الفلاح: حي على خير العمل ويقول هو الأذان الأول ونقل في الروض عن التحرير بعدة أسانيد في مسند ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر انه كان يقول في أذانه حي على خير العمل وروى البيهقي عن عبد الله بن عمر مثله بعدة أسانيد وروى المحب الطبري الشافعي في كتاب احكام الاحكام عن صدقة بن يسار عن سهل بن حنيف انه كان إذا أذن قال حي على خير العمل. وحكى في الروض النضير (1) عن سعد الدين التفتازاني في حاشية شرح العضد على مختصر الأصول ان حي على خير العمل كان ثابتا على عهد رسول الله ص وان عمر هو الذي أمر أن يكف الناس عن ذلك مخافة ان يثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا على الصلاة اه وما في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام من أن سبب وضع الاذان و الإقامة رؤيا رآها بعض الأنصار باطل لا يلتفت إليه فان الأحكام الشرعية ما كان يشرعها ص بالمنامات ان هو إلا وحي يوحى.
وفي السيرة الحلبية عن محمد بن الحنفية انكار ذلك أشد الإنكار.