ثانيا كلام المبرد دال على أنه أسلم صغيرا على يدي النبي ص فكان معه في مؤونته ثم مع فاطمة وولدها وكلام ابن إسحاق دال على أن عليا ع اشتراه واعتقه وجعله في الضيعتين ويمكن الجمع بان عليا ع اشتراه من تاجر وهو صغير واعتقه ثم جاء به إلى النبي ص فأسلم وبقي عند النبي ص إلى وفاته فانتقل إلى بيت علي فصار مع فاطمة وولدها ثم جعله في الضيعتين.
ثالثا قصة مجيئه أبا نيزر إلى الضيعة هذه تدل على أمور 1 غاية زهده باكله القرع المطبوخ بالودك المتغير الرائحة ولعله كان بغير خبز وهي واحدة من كثير مما يدل على غاية زهده 2 استحباب غسل اليد قبل الأكل 3 استحباب غسل اليدين بعده 4 قوله من أدخله بطنه النار فأبعده الله موعظة بالغة فاكل الحرام الذي هو لذة ساعة ثم يصير عذرة إذا كان يوجب دخول النار لا يفعله ذو عقل 5 الحث على العمل والكد بضربه بالمعول حتى تفضح جبينه عرقا واستئنافه الضرب حتى استنبط الماء العزيز 6 تأكد استحباب الوقف في سبل الخبر 7 استحباب المسارعة إلى فعل الخير فلذلك بادر إلى الوقف بدون مهلة 8 استحباب الكتابة للوقف وغيره فلذلك بادر إلى طلب الدواة 9 المراد بالصدقة هنا الوقف وقد سمي الوقف صدقة جارية أي دائمة 10 أن الوقف يجوز اشتراط الرجوع فيه عند الحاجة ولا يفسد بذلك لقوله إلا أن يحتاج إليها الحسن أو الحسين فهما طلق لهما الخ فجعل ذلك لهما دون باقي ولده إلا أن الحسين لما فيه من سمو النفس وشرف الطبع لم يرض أن يبيع عين أبي نيزر من معاوية بمائتي ألف دينار التي تقرب من مائة ألف ليرة عثمانية ذهبا وقد ركبه الدين لتبقى هذه المكرمة وثوابها لأبيه وإن رخص له في بيعها عند الحاجة وقال إنما تصدق بها أبي ليقي بها وجهه حر النار ولست بائعها بشئ. تفديك نفسي يا أبا عبد الله وأي عمل عمله أبوك يخشى منه لفح النار لوجهه، ويمكن أن يريد بقوله إلا أن يحتاج إليها الحسن والحسين الأعم من الحاجة إلى البيع أو إلى غلتها فلهما أخذها ولا يلزمهما التصدق بها على الفقراء وابن السبيل.
رابعا كلام المبرد في خبر تزويج أم كلثوم هذه يدل على أن الحسين ع نحلها البغيبغة ورواية ابن شهرآشوب تدل على أنه نحلها ضيعته بالمدينة أو أرضه بالعقيق وارض العقيق خارجة عن البغيبغة التي بينبع اما ضيعته بالمدينة فيمكن انطباقها على التي بينبع لأنها من توابع المدينة وحينئذ فيرجح ما ذكره المبرد ويضعف أنه نحلها أرضه بالعقيق.
خامسا نحلة الحسين ع البغيبغة الداخلة في الوقف لأم كلثوم هو أخذ بالرخصة التي رخصها له أبوه ولم يعمل بها في بيع عين أبي نيزر من معاوية للبون الشاسع بين المقامين فلذلك توارثها بنو عبد الله بن جعفر من ناحية أم كلثوم.
سادسا ما فعله المأمون أراد به الجمع بين بقاء وقف علي ع على حاله وعدم الحيف على ولد عبد الله بن جعفر فانتزعها منهم وردها إلى ما كانت عليه وعوضهم عنها.
سابعا ما حكي في المعجم من أن بينبع وقوفا لعلي بن أبي طالب يتولاها ولده الظاهر أن المراد به عين أبي نيزر لا البغيبغة لكون الثانية صارت إلى ولد عبد الله بن جعفر.
ثامنا يستفاد من خبر تزويج أم كلثوم هذا استحباب تقليل المهر وأن مهر السنة اثنتا عشرة أوقية كل أوقية أربعون درهما مجموعها 480 درهما وان من أراد زيادة المهر فليجعل الزيادة على ذلك نحلة وعطية غير داخلة في المهر.
حلي الكعبة ومن أخباره في زمن عمر ما في نهج البلاغة: روي أنه ذكر عند عمر ابن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته فقال قوم لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر وما تصنع الكعبة بالحلي فهم عمر بذلك وسال عنه أمير المؤمنين ع فقال إن هذا القرآن أنزل على محمد ص والأموال أربعة. أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض والفئ فقسمه على مستحقيه. والخمس فوضعه الله حيث وضعه. والصدقات فجعلها الله حيث جعلها وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه على حاله ولم يخف عنه مكانا فاقره حيث أقره الله ورسوله فقال عمر لولاك لافتضحنا وترك الحلي بحاله اه. وقال ابن أبي الحديد في الشرح ما حاصله هذا استدلال صحيح ويمكن أن يورد على وجهين أحدهما أن الأصل في الأشياء الحظر كما هو مذهب البعض ثانيها أن حلي الكعبة مال مختص بالكعبة جار مجرى ستورها وبابها فكما لا يجوز التصرف في ستورها وبابها فكذلك الحلي بجامع الاختصاص الجاعل كل واحد منها كالجزء من الكعبة قال وعلى هذا الوجه يجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع لا على ظاهره وإلا لكان لمعترض أن يعترض بان الأموال الأربعة أموال متكررة بتكرر الأزمان يذهب الموجود ويخلفه غيره فكان الاهتمام بها أكثر وليس كذلك حلي الكعبة وأيضا فهو شئ قليل ليس مثله مما يقال ينبغي أن يكون الشارع قد تعرض لوجوه مصرفه فافترق الموضعان اه وأقول كلام أمير المؤمنين ع ليس ناظرا إلى شئ من هذين الوجهين مع فسادهما في أنفسهما فالأصل في الأشياء الإباحة كما قرر في الأصول لكن في غير الأموال. واختصاص الحلي بالكعبة يجعله جاريا مجرى ستورها وبابها لكن كون الحلي والستور كالجزء منها ممنوع لو سلم ذلك في الباب إلا أن منع التصرف فيما هو مختص بالكعبة حتى ولو صار كالجزء منها محتاج إلى دليل يدخله تحت عنوان محرم لكن كلام أمير المؤمنين ناظر إلى أن النبي ص لم يتصرف في حلي الكعبة مع حاجة المسلمين إليه لتجهيز الجيوش أشد من الحاجة التي كانت في زمن عمر ولم يكن ناسيا له فدل ذلك على عدم جواز التصرف فيه. هذا وجه إجمالي لعدم جواز التصرف وهناك وجه تفصيلي وهو أنه موقوف على أن تحلى به الكعبة وبذلك يعلم اندفاع ما أورده من الاعتراض وعدم الحاجة إلى هذا الجواب مع فساده في نفسه.
إشارته عليه في حرب الروم والفرس ومن اخباره في زمن عمر ما أشار به عليه من عدم التوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس وعلل ذلك بأنهم إذا نظروا إليه قالوا هذا رجل العرب فان قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم فربما جرى له مثل ما جرى يوم خيبر، فقال عمر هذا هو الرأي وقد كنت أحب أن أتابع عليه فدل على أنه كان كارها للخروج قبل أن يشير عليه بذلك، وقد مر ذلك مفصلا في الأمر الرابع والعشرين من مناقبه وقضائه فاغنى عن اعادته.
وضع التاريخ ومن أخباره في خلافة عمر ما أشار به عليه لما جمع الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ فأشار أن يجعل من الهجرة، ومر تفصيله في الأمر الرابع والعشرين أيضا.