من القسوة والجفوة كما يتوهم في بادي النظر والظاهر أن عقيلا لما جاء إلى الكوفة أحضر معه ولده ليكون وجودهم أدعى للعطف عليه ثم عاد بهم إلى المدينة ولا بد ان يكون أمير المؤمنين لما خرج عطاؤه بعث به إليه مع عطاء عقيل فإنه لم يكن ليخلف ما وعد به.
وقعة النهروان مع الخوارج سنة 37 وقيل سنة 38 الخوارج هم الذين أنكروا التحكيم الذي وقع يوم صفين وقالوا لا حكم الا الله وقد مر ذكر أول من قال ذلك ويقال لهم الحرورية أيضا لأنهم في أول امرهم اجتمعوا بمكان يقال له حروراء وقاتلهم علي ع وقتلهم بمكان يسمى النهروان وهو موضع بين بغداد وحلوان فسميت الوقعة به وأساس عقيدتهم تولي الشيخين والبراءة من الصهرين فيتولون عثمان إلى حين وقوع الاحداث ويتولون عليا إلى حين وقوع التحكيم وهم القراء الذين كانوا في صفين وقد اسودت جباههم من طول السجود وقال لهم أمير المؤمنين ع انها حيلة فلم يقبلوا واجبروه على التحكيم ثم أنكروه ثم كانت لهم وقائع مشهورة مذكورة في كتب التواريخ في زمان ملوك بني أمية وبني العباس ولا يزال منهم طائفة إلى اليوم في زنجبار والمغرب وشمال إفريقية وغيرها.
وروى الطبري في تاريخه أن عليا لما أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا له لا حكم إلا لله فقال علي لا حكم إلا لله قال له حرقوص تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا فقال قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وشرطنا شروطا وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا وقد قال الله عز وجل وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فقال له حرقوص ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه قال علي ما هو ذنب ولكنه عجز من الرأي وضعف من الفعل وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه فقال له زرعة. أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل قاتلتك اطلب بذلك وجه الله ورضوانه، قال علي: بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفي عليك الريح قال وددت أنه كان ذلك قال له علي لو كنت محقا كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا أن الشيطان قد استهواكم فاتقوا الله فخرجا من عنده يحكمان وخرج علي ذات يوم يخطب فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال: الله أكبر، كلمة حق يراد بها باطل. وقال له رجل منهم يوما وهو يخطب:
ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فقال علي: فاصبر أن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. وروى الطبري أنه لما وقع التحكيم ورجع علي من صفين رجعوا مباينين له فلما انتهوا إلى النهر أقاموا به فدخل علي في الناس الكوفة ونزلوا بحروراء قال ابن الأثير لما رجع علي من صفين فارقه الخوارج وأتوا حروراء فنزلوا بها اثنا عشر ألفا ونادى مناديهم: أمير القتال شبث بن ربعي وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقامت الشيعة فقالوا لعلي في أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت، فقالت الخوارج: استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان، بايع أهل الشام معاوية على ما أحبوا وكرهوا وبايعتم عليا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى، فقال لهم زياد بن النضر أما والله ما بايعنا عليا إلا على كتاب الله وسنة نبيه ولكنكم لما خالفتموه جاءته شيعته فقالوا نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت ونحن كذلك وهو على الحق والهدى ومن خالفه ضال مضل. قال الطبري وبعث إليهم ابن عباس فرجع ولم يصنع شيئا. وقال المبرد وغيره لما وجه ابن عباس إليهم ليناظرهم قال لهم ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين قالوا له قد كان للمؤمنين أميرا فلما حكم في دين الله خرج من الايمان فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له فقال ابن عباس ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك أن يقر على نفسه بالكفر قالوا إنه حكم.
قال إن الله أمر بالتحكيم في قتل صيد قال يحكم به ذوو عدل منكم فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين فقالوا انه حكم عليه فلم يرض فقال إن الحكومة كالإمامة ومتى فسق الامام وجبت معصيته وكذلك الحكمان لما خلفا نبذت أقاويلهما فقال بعضهم لبعض اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم فهذا من الذين قال الله فيهم بل هم قوم خصمون وقال جل شانه وتنذر به قوما لدا. قال المبرد ثم ناظرهم أمير المؤمنين بعد مناظرة ابن عباس فكان فيما قال لهم أ لا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم ان هذه مكيدة وأنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني وسألوني أ فتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت قال فهل تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمها نافذ ما حكما بحكم الله فمتى خالفاه فانا وأنتم من ذلك براء وأنتم تعلمون ان حكم الله لا يعدوني قالوا اللهم نعم فقالوا حكمت في دين الله برأينا ونحن مقرون بانا كفرنا ولكننا الآن تائبون فاقر بما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام قال أ ما تعلمون أن الله قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وامرأته فقال سبحانه فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وفي صيد أصيب كأرنب يساوي نصف درهم فقال يحكم به ذوو عدل منكم فقالوا له فان عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك هذا ما كتبه عبد الله علي أمير المؤمنين محوت اسمك من الخلافة وكتبت علي بن أبي طالب فقد خلعت نفسك فقال لي برسول الله ص أسوة حين أبي عليه سهيل بن عمرو ان يكتب هذا كتاب كتبه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو وقال لو أقررت بأنك رسول الله ما خالفتك ولكن أقدمك لفضلك فاكتب محمد بن عبد الله فقال لي يا علي امح رسول الله فقلت يا رسول الله لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة فمحاه بيده ثم قال اكتب محمد بن عبد الله ثم تبسم إلي وقال يا علي أما أنك ستسأم مثلها فتعطي فرجع معه ألفان من حروراء وكانوا تجمعوا بها فسموا الحرورية. قال المبرد ومن شعر أمير المؤمنين الذي لا اختلاف فيه أنه قاله وكان يردده لما ساموه أن يقر بالكفر ويتوب حتى يسيروا معه إلى الشام فقال أ بعد صحبة رسول الله ص والتفقه في الدين ارجع كافرا ثم قال:
- يا شاهد الله علي فاشهد * أني على دين النبي أحمد - - من شك في الله فاني مهتدي - وفي رواية ذكرها المبرد في الكامل أيضا أنه ع خرج إليهم إلى حروراء فقال هذا مقام من فلج فيه اليوم فلج يوم القيامة ثم كلمهم وناشدهم فقالوا إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى الله كما تبنا نعد معك فقال علي ع أنا استغفر الله من كل ذنب فرجعوا معه وهم ستة آلاف فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا رجع عن التحكيم ورآه ضلالا فاتى الأشعث عليا فقال يا أمير المؤمنين ان الناس قد تحدثوا انك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا فقام علي يخطب