فخرج خالد وعمر جالس في المسجد فقال هلم إلي يا ابن أم شملة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته اه قال الشريف المرتضى في الشافي: فاما قوله في النبي ص صاحبك فقد قال أهل العلم أنه أراد القرشية لأن خالدا قرشي، وبعد فليس في ظاهر اضافته إليه دلالة على نفيه له عن نفسه ولو كان علم من مقصده الاستخفاف والإهانة لوجب أن يعتذر بذلك خالد عن الشيخين ويعتذر به أبو بكر لما طالبه عمر بقتله فان عمر ما كان يمتنع من قتل قادح في نبوة النبي ص وإن كان الأمر على ذلك فأي معنى لقول أبي بكر تأول فأخطأ وانما تأول فأصاب إن كان الامر على ما ذكره اه.
وروى الطبري أيضا أن مالكا كان من أكثر الناس شعرا وأن أهل العسكر جعلوا رؤوسهم أثافي للقدور فما من رأس إلا وصلت النار إلى بشرته إلا مالكا فان القدر نضجت وما وصلت النار إلى بشرته من كثرة شعره اه وهذا العمل الوحشي الدنئ الذي كشف عن وحشية فاعليه ورؤسائهم الذين وافقوهم على ذلك قد سود وجه الاسلام والعرب والإنسانية وأبان عن لؤم الغلبة ونأى عن أخلاق الاسلام ومحاسنه، وروي الطبري أيضا بسنده أنه قدم أخوه متمم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم فكتب له برد السبي. وقد تكلم الناس كثيرا في قتل مالك بن نويرة ونظم فيه الشعراء قال أبو فراس:
- وجرت منايا مالك بن نويرة * عقيلته الحسناء أيام خالد - وتزوج علي ع خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ويقال من مواليهم سبيت في الردة من اليمامة اه وربما استدل بعضهم على رضا أمير المؤمنين ع بخلافة من تقدمه بتزوجه من سبيهم ولا دلالة فيه فإنه إن كان بنو حنيفة مرتدين كان سبيهم حلالا لكل أحد وإن كانوا غير مرتدين لم يحل سبيهم لأحد فإذا نكح علي من سبيهم لا بد أن يكون بعقد لا بملك يمين. وفي البحار: سئل الشيخ المفيد لم أخذ علي عطاءهم ونكح سبيهم وحكم في مجالسهم، فقال: اما اخذه العطاء فاخذ بعض حقه وأما نكاحه سبيهم فمن طريق الممانعة، إن الشيعة روت أن الحنفية زوجها أمير المؤمنين محمد بن مسلم الحنفي. ومن طريق المتابعة أنه لو نكح من سبيهم لم يكن لكم ما أردتم لأن الذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين في نبوة رسول الله ص كفارا فنكاحهم حلال لكل أحد ولو كان الذي سباهم يزيد أو زياد وإنما كان يسوع لكم ما ذكرتموه إذا كان الذين سباهم قادحين في إمامته ثم نكح أمير المؤمنين منهم. وأما حكمه في مجالسهم فلأن الحكم له واليه اه وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: اختلف في أمر خولة الحنفية أم محمد فقال قوم انها من سبايا الردة سباها خالد أيام أبي بكر فدفعها أبو بكر إلى علي من سهمه وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني هي سبية في أيام رسول الله ص بعث عليا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد وقد ارتدوا وكانوا سبوها من حنيفة فصارت في سهم علي فقال له رسول الله ص ان ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي فولدت له محمدا بعد موت فاطمة فكناه أبا القاسم وقال قوم وهم المحققون وقولهم الأظهر أن بني أسد غارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة فباعوها من علي وبلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على علي فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم فاعتقها وتزوجها بمهر وهذا اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في تاريخ الاشراف اه.
ومن اخباره في خلافة أبي بكر ما رأيته في معجم البلدان عند الكلام على الأحقاف قال: والصحيح ما رويناه عن ابن عباس وابن اسحق وقتادة انها رمال بأرض اليمن كانت عاد تنزلها: ويشهد بصحة ذلك ما رواه أبو المنذر هشام بن محمد عن أبي يحيى السجستاني عن مرة بن عمر الآبلي عن الأصبغ بن نباته قال: أنا لجلوس عند علي بن أبي طالب في خلافة أبي بكر إذ اقبل رجل من حضرموت لم أر قط رجلا أنكر منه فاستشرفه الناس وراعهم منظره واقبل مسرعا حتى وقف علينا وسلم وجثا وكلم أدنى القوم منه مجلسا وقال من عميدكم فأشاروا إلى علي وقالوا هذا ابن عم رسول الله ص وعالم الناس والمأخوذ عنه فقام وقال:
- اسمع كلامي هداك الله من هاد * وافرج بعلمك عن ذي غلة صاد - - جاب التنائف من وادي سكاك إلى * ذات الأماحل في بطحاء أجياد - - تلفه الدمنة البوغاء معتمدا * إلى السداد وتعليم بارشاد - - سمعت بالدين دين الحق جاء به * محمد وهو قرم الحاضر البادي - - فجئت منتقلا من دين باغية * ومن عبادة أوثان وانداد - - ومن ذبائح أعياد مضللة * نسيكها غائب ذو لوثة عاد - - فأدلل على القصد وأجل الريب عن خلدي * بشرعة ذات ايضاح وارشاد - - والمم بفضل هداك الله عن شعثي * واهدني انك المشهور في النادي - - إن الهداية للاسلام نائبة * عن العمى والتقى من خير أزواد - - وليس يفرج ريب الكفر عن خلد * أقضه الجهل إلا حية الوادي - فاعجب عليا والجلساء شعره وقال له لله درك ما أرصن شعرك ممن أنت قال من حضرموت فسر به علي وشرح له الاسلام وأسلم على يديه وسأله ذات يوم ونحن مجتمعون للحديث أ عالم أنت بحضرموت إذا جهلتها لم أعرف غيرها قال أ تعرف الأحقاف قال كأنك تسأل عن قبر هود ع قال لله درك ما أخطأت قال نعم خرجت في عنفوان شبيبتي في أغيلمة من الحي نريد قبره فسرنا في بلاد الأحقاف أياما ومعنا رجل قد عرف الموضع فانتهينا إلى كثيب أحمر فيه كهوف كثيرة فمضى بنا الرجل إلى كهف منها فدخلناه فامعنا فيه طويلا فانتهينا إلى حجرين قد أطبق أحدهما دون الآخر وفيه خلل يدخل منه الرجل النحيف متجانفا فدخلته فرأيت رجلا على سرير شديد الأدمة طويل الوجه كث اللحية وقد يبس على سريره فإذا مسست شيئا من بدنه أصبته صلبا لم يتغير ورأيت عند رأسه كتابا بالعربية أنا هود النبي الذي اسفت على عاد بكفرها وما كان لأمر الله من مرد فقال لنا علي بن أبي طالب كذلك سمعته من أبي القاسم رسول الله ص اه.
اخباره في امارة عمر كان في إمارة عمر كثيرا ما يأتي إلى ملك له بينبع وهي ينبع النخل بنواحي المدينة وهي غير ينبع البحر وكان لعلي فيها عيون استنبطها ونخيل وزروع منها.
عين أبي نيزر والبغيبغة وقد تكلمنا عليهما في ج 7 وفي مستدرك ج 15 ص 487 في ترجمة أبي نيزر ونعيد بعض ما ذكرناه هناك لتعلقه بسيرته ع وإن لزم بعض