اخذ بهم على محجة غامضة حتى استقبل الوادي من فمه وكان يسير الليل ويكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل وقال لا تبرحوا وابتدر امامهم فوقف ناحية فلما رأى عمرو بن العاص ذلك لم يشك في الفتح فقال للمرسل أولا انا اعلم بهذه البلاد من علي وفيها ما هو أشد علينا من بني سليم الضباع والذئاب فكلمه يخل عنا نعلو الوادي فكلمه فأطال فلم يجبه حرفا واحدا فرجع فأخبرهم فقال عمرو بن العاص للمرسل ثانيا أنت أقوى عليه فانطلق فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بالأول فرجع فأخبرهم فقال عمرو لا ينبغي أن نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعل الوادي فأبوا عليه فلما طلع الفجر كبس علي ع القوم وهم غارون فامكنه الله منهم فنزلت والعاديات ضبحا الآيات ثم ذكر نحو ما تقدم في تتمة الحديث السابق. وقال الطبرسي في مجمع البيان قيل نزلت السورة لما بعث النبي ص عليا إلى ذات السلاسل فأوقع بهم بعد أن بعث مرارا غيره من الصحابة فرجعوا وهو المروي عن أبي عبد الله ع في حديث طويل قال وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبى وشد أساراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل اه وقيل السلاسل اسم ماء كما مر.
وذكر هذه الغزوة بهذا النحو الراوندي في الخرائج وعلي بن إبراهيم في تفسيره وغيرهما وفي مناقب ابن شهرآشوب عند ذكر غزاة السلاسل عن أبي القاسم بن شبل الوكيل وأبي الفتح الحفار باسنادهما عن الصادق ع ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبي صالح وابن عباس أنه انفذ النبي ص بعض المهاجرين في سبعمائة رجل فلما سار إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فبعث آخر فرجع منهزما فقال عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله فان الحرب خدعة ولعلي اخدعهم فبعثه فرجع منهزما وفي رواية انفذ خالدا فعاد كذلك فساء ذلك النبي ص فدعا عليا وقال أرسلته كرارا غير فرار فشيعه إلى مسجد الأحزاب إلى آخر ما تقدم ثم قال ومن روايات أهل البيت ع قالوا فلما أحس ع الفجر قال اركبوا بارك الله فيكم وطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم قال لهم اتركوا اكمة دوابكم فشمت الخيل ريح الإناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين قال وفي رواية مقاتل والزجاج أنه كبس القوم وهم غارون فقال يا هؤلاء انا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإلا ضربتكم بالسيف فقالوا انصرف عنا كما انصرف ثلاثة فإنك لا تقاومنا فقال انني لا انصرف انا علي بن أبي طالب فاضطربوا وخرج إليه الأشداء السبعة وناصحوه وطلبوا الصلح فقال اما الاسلام واما المقاومة فبرزوا إليه واحدا بعد واحد وكان أشدهم آخرهم وهو سعد بن مالك العجلي وهو صاحب الحصن فقتلهم فانهزموا ودخل بعضهم في الحصن وبعضهم استأمنوا وبعضهم أسلموا واتوه بمفاتيح الخزائن وفي ذلك يقول السيد الحميري:
- وفي ذات السلاسل من سليم * غداة اتاهم الموت المبير - - وقد هزموا أبا حفص وعمرا * وصاحبه مرارا فاستطيروا - - وقد قتلوا من الأنصار رهطا * فحل النذر أو وجبت نذور - - ازار الموت مشيخة ضخاما * جحاجحة تسد بها الثغور - ولم تذكر هذه الغزو بهذه الكيفية في السيرة الهشامية وطبقات ابن سعد وما تأخر عنهما ولكنهم ذكروا سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أميال في جمادي الآخرة سنة ثمان من الهجرة بلغه ص ان جمعا من قضاعة تجمعوا يريدون الدنو إلى أطرافه فبعثه في ثلثمائة فبلغه كثرتهم فبعث يستمده ص فأرسل أبا عبيدة في مائتين اه قال بعضهم سميت ذات السلاسل لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة وقيل لأن المشركين ربطوا بعضهم بالسلاسل لئلا يفروا.
سرية علي بن أبي طالب ع إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست من الهجرة.
وفدك بالتحريك في معجم البلدان قرية بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة وفي السيرة الحلبية قرية بينها وبين المدينة ست ليال وفي لفظ ثلاث مراحل وهي الآن خراب أقول لعل الصواب القول بان بينها وبين المدينة ست ليال لما يأتي من أن عليا ع وصل إلى مكان بين خيبر وفدك فدل على أن فدك أبعد عن المدينة من خيبر وقد مر أن خيبر عن المدينة على نحو أربع مراحل فكيف يكون بين فدك والمدينة ثلاث مراحل أو يومان أو ثلاثة أيام الا أن يراد بالأيام الليل والنهار فتتوافق رواية ثلاثة أيام ورواية ست ليال. وفي الصحاح والقاموس فدك بلدة بخيبر اه ولعل فيه تسامحا باعتبار مجاورتهما لخيبر. وأهل فدك كانوا من العرب لا من اليهود.
ومر الكلام على أن فدكا فتحت صلحا بعد فتح خيبر سنة سبع فتكون هذه السرية قبل فتح خيبر لأن فتح خيبر كان في جمادي الأولى أو في المحرم سنة سبع وهذه كانت في شعبان سنة ست وسببها أنه بلغ النبي ص أن بني سعد يريدون أن يجمعوا جمعا يمدون به يهود خيبر ويعطوهم مقابل ذلك من تمر خيبر وينبغي أن يكون ذلك قبل محاصرة خيبر بان يكون أهل خيبر لما رأوا ما جرى لقريظة وبني النضير لما نقضوا العهد خافوا فاتفقوا مع أهل فدك على ذلك فبعث النبي ص عليا ع من المدينة في مائة رجل فجعل يسير الليل ويكمن النهار حتى انتهى إلى الغمج (1) ماء بين فدك وخيبر فوجدوا رجلا فقالوا ما أنت قال باع أي طالب لشئ ضل مني فقالوا هل لك علم بجمع بني سعد قال لا علم لي به فشدوا عليه فاقر أنه عين لهم بعثوه إلى خيبر يعرض على يهودها نصرهم على أن يجعلوا لهم من تمرها ما جعلوا لغيرهم قالوا له فأين القوم قال تركتهم قد تجمع منهم مائتا رجل قالوا فسر بنا حتى تدلنا عليهم قال على أن تؤمنوني فامنوه فجاء بهم إلى سرحهم فأغاروا عليه وهرب الرعاء إلى جمعهم فتفرقوا فقال دعوني فقال علي حتى نبلغ معسكرهم فانتهى بهم إليه فلم يروا أحدا فتركوه وساقوا النعم وكانت خمسمائة بعير وألفي شاة فاصطفى علي منها لرسول الله ص ناقة لقوحا تسمى الحفدة وقسم الباقي على أصحابه هكذا في السيرة الحلبية وينبغي أن يكون اخرج خمسها أولا لا اللقوح وحدها ثم قسم الباقي.
سرية علي بن أبي طالب ع إلى بلاد طئ في ربيع الأول سنة تسع من الهجرة ومعه مائة وخمسون رجلا من الأنصار أو مائتان على مائة بعير وخمسين فرسا لهدم صنم طئ والغارة عليهم ومعه راية سوداء ولواء أبيض وفي السيرة الحلبية أن اسم الصنم الفلس بضم الفاء وسكون اللام وفي سيرة دحلان أن الفلس اسم الموضع الذي فيه الصنم فأغار على أحياء من العرب وشن الغارة على آل حاتم مع