الظاهر الموافق للاعتبار فإنه لم يكن ليشرك أحدا معه في الولاية على المدينة مع ظهور شجاعته وكفاءته وإذا كان يخلف عليها في أكثر غزواته كما عرفت ابن أم مكتوم وهو مكفوف البصر ويكتفي به أ فلا يكون علي ع فيه الكفاءة للاستخلاف عليها مع اضطراب الرواية فيمن استخلفه غيره فقيل محمد بن مسلمة وقيل سباع بن عرفطة كما مر وقيل ابن أم مكتوم حكاه في السيرة الحلبية وحكي عن ابن عبد البر أنه قال الأثبت أنه علي بن أبي طالب اه وانما لم يستصحبه معه لما اخبره الله تعالى بأنه لا يلقى حربا فكان بقاؤه في المدينة أهم للخوف عليها من المنافقين والعرب الموتورين وهذا أمر واضح جلي. قال المفيد: لما أراد النبي ص الخروج استخلف أمير المؤمنين ع في أهله وولده وازواجه ومهاجره وقال له يا علي أن المدينة لا تصلح الا بي أو بك وذلك أنه ع علم من خبث نيات الاعراب وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم فاشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم وايقاع الفساد في دار هجرته والتخطي إلى ما يشين أهله ومخلفيه وعلم ص أنه لا يقوم مقامه في ارهاب العدو وحراسة دار الهجرة وحياطة من فيها الا أمير المؤمنين ع فاستخلفه وأن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله ص عليا ع على المدينة حسدوه لذلك وعظم عليهم مقامه فيها وعلموا أنها تتحرس به ولا يكون فيها للعدو مطمع فساءهم ذلك وكانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأيه ص عن المدينة وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها وغبطوه على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر فأرجفوا به وقالوا لم يستخلفه اكراما له واجلالا ومودة وانما خلفه استثقالا له فبهتوه بهذا الارجاف وهم يعلمون ضده فلما بلغه ذلك أراد تكذيبهم فلحق بالنبي ص فأخبره قولهم فقال له النبي ص ارجع يا أخي إلى مكانك فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي. ولو علم الله أن لنبيه في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وبقائه في دار هجرته. ولم يذكر الدكتور هيكل هنا الا قوله وخلف علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. وأمر رسول الله ص كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية وخرج ص يوم الخميس وكان يستحب الخروج فيه في ثلاثين ألفا من الناس والخيل عشرة آلاف فرس حتى قدم تبوك. وكان عبد الله بن أبي بن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين قال ابن سعد وابن هشام وغيرهما فكان يقال ليس عسكره بأقل العسكرين فلما سار تخلف عبد الله بن أبي ومن معه أقول وهذا يدل على ما مر عن المفيد من أنه أبطأ أكثرهم عنه ص، قال ابن هشام والطبري فجعل يتخلف عنه الرجل حتى قيل تخلف أبو ذر وابطا به بعيره فتلوم على بعيره فلما أبطأ عليه اخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع اثر رسول الله ص ماشيا ونزل رسول الله ص في بعض منازله فنظر بعض المسلمين فقال إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده فقال ص كن أبا ذر فلما تأملوه قالوا هو أبو ذر فقال ص يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده. وكان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول الله ص وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض أ تحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم والله لكأني بكم غدا مقرنين في الحبال، ارجافا وترهيبا للمؤمنين فقال ص لعمار بن ياسر أدرك القوم فسلهم عما قالوا فان أنكروا فقل بلى قد قلتم كذا وكذا فاتوا رسول الله ص يعتذرون وقال بعضهم كنا نخوض ونلعب فنزل فيهم: ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب فلما انتهى ص إلى تبوك اتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله ص وأعطاه الجزية وجاءه أهل جرباء وأذرح فاعطوه الجزية وكتب لكل كتابا فهو عندهم ودعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي ملك دومة الجندل الجوف وكان نصرانيا فقال له انك ستجده يصيد البقر فلما كان من حصنه بمنظرة العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قالت فمن يترك هذا فنزل فامر بفرسه فاسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته فيهم اخوه حسان فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله ص فاستاسر أكيدر فاخذ وامتنع اخوه حسان فقاتل حتى قتل وهرب من معهما وكان على حسان قباء من ديباج محوص بالذهب فاخذه خالد فبعث به إلى النبي ص فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه وقدم خالد بأكيدر على رسول الله ص فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله فرجع إلى قريته وأقام رسول الله ص بتبوك بضع عشرة ليلة وقيل عشرين ليلة ولم يجاوزها ثم رجع إلى المدينة. وكان قد تخلف عن رسول الله ص ثلاثة رهط بدون شك ولا نفاق وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية فلما رجع رسول الله ص إلى المدينة قال لأصحابه لا تكلموا أحدا من هؤلاء الثلاثة فاعتزل المسلمون كلامهم حتى نساؤهم فبقوا على ذلك خمسين ليلة ثم تاب الله عليهم وذلك قوله تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا أن الله هو التواب الرحيم وجاءه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون بالله ويعتذرون فصفح عنهم ولم يعذرهم الله ولا رسوله.
حديث الإفك مرت الإشارة إليه في غزوة بني المصطلق من هذا الجزء وذكرناه مفصلا في ج 3 ق 1 وذكرناه هنا لئلا يظن ظان اننا أهملنا ذكره مفصلا وفاتنا التنبيه على ذلك في غزوة بني المصطلق فنبهنا عليه هنا.
آية النجوى قال الله تعالى في سورة المجالدة آية 12 يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة إلى قوله والله خبير بما تعملون في مجمع البيان نزلت في الأغنياء ذلك إنهم كانوا يأتون النبي ص فيكثرون مناجاته فامر الله سبحانه بالصدقة عند المناجاة فلما رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته فنزلت آية الرخصة عن مقاتل بن حيان وقال أمير المؤمنين صلوات الرحمن عليه إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية المناجاة كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي رسول الله ص قدمت درهما فنسختها آية أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية ولم ينزل في أحد قبلوا لم ينزل في أحد بعدي وقال ابن عمر كان لعلي بن أبي طالب ثلاث لو كان لي واحدة منهن لكانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى وقال مجاهد وقتادة نهوا عن مناجاته صلوات الرحمن عليه حتى يتصدقوا لم