ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك، ككثير ممن سبق على هؤلاء، وهم طرق الأحاديث المدونة غالبا. (1) هذا كلامه.
وأنت خبير بشمول هذه التزكية الوافية من مثل الشهيد من أهل الدراية لمشايخ الكليني الذين هم عاصروه وأخذ هو عنهم بلا واسطة، وكذا جميع طبقات مشايخ الشيخين الآخرين؛ لحيلولتهم كلا بين العصرين، مضافا إلى قوله:
" وهم طرق الأحاديث المدونة غالبا ".
وأن (2) الكتب والأصول المأخوذة منها أحاديث الكتب الثلاثة كانت متواترة في زمان الشيخين كالكتب الأربعة في زماننا، وذكر الطرق إنما هو لمجرد اتصال السند، كذكر المتأخرين طرقهم إلى المشايخ الثلاثة، فلا يوجب ضعف من فيها من الضعيف ضعف الرواية.
وينصرح ذلك الوجه (3) من الشهيد الثاني في طي مسألة جواز العمل بالرواية - التي طريق تحملها الإجازة بعد ذكر الخلاف فيها واختياره القول بنعم - في قوله:
ثم اختلف المجوزون في ترجيح السماع عليها أو بالعكس على أقوال، ثالثها: الفرق بين عصر السلف قبل جمع الكتب المعتبرة التي يعول عليها ويرجع إليها، وبين عصر المتأخرين، ففي الأول السماع أرجح؛ لأن السلف كانوا يجمعون الحديث من صحف الناس وصدور الرجال، فدعت الحاجة إلى السماع خوفا من التدليس والتلبيس، بخلاف ما بعد تدوينها؛ لأن فائدة الرواية حينئذ إنما هي اتصال سلسلة الإسناد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تيمنا وتبركا، وإلا فالحجة تقوم بما في الكتب ويعرف القوي