ولنا على ذلك شواهد كثيرة لا تظهر على غيرنا إلا بممارسة الأخبار، وتتبع سيرة قدماء علمائنا الأخيار، ولنذكر هنا بعض تلك الشواهد، ينتفع بها من لم يسلك مسلك المتعسف المعاند:
الأول: أنك ترى الكليني (رحمه الله) يذكر سندا متصلا إلى ابن محبوب أو إلى ابن أبي عمير أو إلى غيره من أصحاب الكتب المشهورة، ثم يبتدئ بابن محبوب مثلا ويترك ما تقدمه من السند، وليس ذلك إلا لأنه أخذ الخبر من كتابه، فيكتفي بايراد السند مرة واحدة، فيظن من لا دراية له في الحديث أن الخبر مرسل.
الثاني: أنك ترى الكليني والشيخ وغيرهما يروون خبرا واحدا في موضعين، ويذكرون سندا إلى صاحب الكتاب [ثم يوردون هذا الخبر بعينه في موضع آخر بسند آخر إلى صاحب الكتاب] (1) أو بضم سند أو أسانيد غيره إليه، وتراهم لهم أسانيد صحاح في خبر يذكرونها في موضع، ثم يكتفون بذكر سند ضعيف في موضع آخر، ولم يكن ذلك إلا لعدم اعتنائهم بإيراد تلك الأسانيد؛ لاشتهار هذه الكتب عندهم.
الثالث: أنك ترى الصدوق (رحمه الله) مع كونه متأخرا عن الكليني (رحمه الله) أخذ الأخبار في الفقيه عن الأصول المعتمدة، واكتفى بذكر الأسانيد في الفهرست، وذكر لكل كتاب أسانيد صحيحة ومعتبرة، ولو كان ذكر الخبر مع سنده لاكتفى بسند واحد اختصارا، ولذا صار الفقيه متضمنا لصحاح الأخبار أكثر من سائر الكتب.
والعجب ممن تأخر كيف لم يقتف أثره لتكثير الفائدة، وقلة حجم الكتاب، فظهر أنهم كانوا يأخذون الأخبار من الكتب، وكانت الكتب عندهم مشهورة متواترة.
الرابع: أنك ترى الشيخ (رحمه الله) إذا اضطر في الجمع بين الأخبار إلى القدح في