المثال المتقدم.
أما القسم الأول: فالإشكال المتقدم الذي يرجع إلى استلزام عدم الاختصاص بالحاضرين في زمان صدوره لتكليف المعدوم المستحيل بداهة يندفع بما ذكرناه من كون العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام إنما أخذت على سبيل القضية الحقيقية بالمعنى الذي تقدم، وهذا المعنى لا يستلزم أن يكون المعدوم في حال العدم مكلفا، لأن عنوان المستطيع إنما يصدق على خصوص المكلف الموجود الحاصل له الاستطاعة، فكما أنه لا يصدق على المكلف الغير المستطيع كذلك لا يصدق على المعدوم بطريق أولى، لأنه ليس بشئ، نعم بعد الوجود وصيرورته متصفا بذلك الوصف يتحقق مصداق لذلك العنوان، فيشمله الحكم، كما عرفت تفصيله.
وأما القسم الثاني: فالإشكال الراجع إلى استحالة المخاطبة مع المعدوم لا يندفع بما ذكر من كون الموضوع على نحو القضية الحقيقية، لأن الخطاب بالعنوان الذي جعل موضوعا فيها غير معقول، إذ لا معنى للخطاب بأفراد الطبيعة أعم من الموجودة والمعدومة، فلابد إما من الالتزام بتنزيل المعدومين منزلة الموجودين، وإما من الالتزام بما ذكر من كون هذه الخطابات خطابات كتبية، والأول لا دليل عليه، كما اعترف به الشيخ (1)، ومعه لا يمكن القول بالتعميم، فلابد من الجواب بنحو ما ذكر، لما عرفت من استحالة أن يكون الناس مخاطبا لله تعالى، بل المخاطب فيها هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحكايته (صلى الله عليه وآله وسلم) على الناس إنما وقعت على سبيل التبليغ وحكاية الوحي، ولا تكون خطابا منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس، كما هو واضح.