ولذا قد اشتهر بين أهل الفن أن القضية الحقيقية برزخ بين الطبيعة الصرفة والكثرة المحضة، إذ لا يكون الموضوع فيها هي نفس الطبيعة، لوضوح الفرق بينها وبين القضية الطبيعية، ولا الكثرة المحضة، لعدم ملاحظة الكثرات، بل لا يعقل ذلك في جميع أفراد الطبيعة، كما هو واضح، بل الموضوع فيها هو عنوان كل عالم مثلا، الذي هو عنوان إجمالي لأفراد طبيعة العالم.
هذا، ولا يتوهم مما ذكرنا: من أن الحكم على جميع الأفراد أعم من الموجودة والمعدومة أن ذلك مستلزم لإثبات شئ على المعدوم في حال عدمه، لأن المعدوم لا يكون شيئا حتى يكون فردا للماهية، فما دام لم تنصبغ الماهية بصبغة الموجود لا تكون ماهية أصلا، فالنار المعدوم بالفعل لا تكون نارا حتى يترتب عليها الحكم المترتب على جميع أفراد النار، فاعتبار الوجود في ترتب الحكم عليه إنما هو لعدم كونه مصداقا لها بدون ذلك، لا لكون الاتصاف به مأخوذا في الموضوع، كيف وقد عرفت أنه ليس في الموضوع ما يدل على الاختصاص بالأفراد الموجودة.
ومما ذكرنا ظهر: أن ما وقع في التقريرات المنسوبة إلى المحقق النائيني من تفسير القضية الحقيقية بما إذا لوحظ الأفراد المعدومة بمنزلة الأفراد الموجودة تنزيلا للمعدوم منزلة الموجود ثم جعلها موضوعا للحكم (1)، مما لا يرتبط بمعنى القضية الحقيقية المذكورة في فنها، بل الوجدان أيضا يأبى عن ذلك، لأنا لا نرى في أنفسنا حين إلقاء هذا النحو من القضايا فرض المعدومين بمنزلة الموجودين، وتنزيلهم منزلتهم، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك: فاعلم أن القوانين المجعولة في العالم التي يوضعها العقلاء