فلابد من القول بدلالة النهي على الفساد، فإن من البعيد في الغاية جعل السبب فيما إذا كان وجود المسبب مبغوضا (1). انتهى.
ولكن لا يخفى أن هنا احتمالا آخر، وهو: أن تكون الأسباب الناقلة مؤثرات عقلائية، والشارع قد أمضاها، وهو أقوى من الاحتمالين اللذين ذكرهما في كلامه، ومعه يمكن صحة المعاملة مع كونها محرمة.
وتوهم أنه كما يكون من البعيد جعل السبب ابتداء مع مبغوضية المسبب كذلك من البعيد إمضاء السبب العقلائي مع مبغوضية مسببه، مدفوع: بأن ذلك إنما يستقيم لو تعلق الإمضاء بها بخصوصها، وأما لو كان الدليل العام كقوله:
* (أوفوا بالعقود) * متضمنا لإمضاء جميع العقود العقلائية، فيرتفع البعد، كما لا يخفى.
ثالثها: أن يكون مدلول النهي هو التسبب بألفاظ معاملة خاصة إلى المسبب، بمعنى أنه لا يكون السبب ولا المسبب من حيث أنفسهما حراما، ولكن المحرم هو التوصل إلى وجود المسبب من ناحية خصوص هذا السبب، ولا يخفى عدم الملازمة في هذا القسم أيضا لو لم نقل بدلالة النهي على الصحة من حيث إن متعلق النهي لابد وأن يكون مقدورا للمكلف بعد تعلق النهي، فلو كانت المعاملة فاسدة، لم يكن التوصل بالمسبب من طريق هذا السبب مقدورا للمكلف بعد النهي حتى يتعلق به، وقد يعد باب الظهار من هذا القسم، نظرا إلى أن السبب - وهو التلفظ بألفاظه - من حيث هو لا يكون محرما، وكذا المسبب - وهي المفارقة بين الزوجين والبينونة بينهما - لا يكون مبغوضا أيضا، لتحققها في الطلاق، بل المحرم هو التوصل إلى ذلك من طريق ألفاظ الظهار.