الإنسان فكيف يعقل أن لا يكون عدمه كافيا في عدمها، وهل هذا إلا المناقضة في القول من غير التفات؟
وتوهم أن لازم ما ذكر كون طبيعة واحدة موجودة ومعدومة معا فيما إذا وجد زيد وعدم عمرو، مع أن ذلك غير معقول، يدفعه أن الطبيعة إنما تتكثر حسب تكثر الأفراد، فزيد وعمرو إنسانان لا إنسان واحد، وحينئذ فلا بأس باتصافها بالوجود من ناحية وجود بعض الأفراد وبالعدم من قبل انعدام بعضها الآخر، كما أنه يتصف بالبياض والسواد، وبالطول والقصر، وبالحركة والسكون، وبالقيام والقعود في آن واحد، وليس ذلك إلا لكونه متكثرا ومتعددا حسب تكثر الوجودات وتعدد الأفراد.
فالإنصاف: أنه لا فرق بين وجود الطبيعة وعدمها من هذه الحيثية في نظر العقل أصلا، وكما أن وجود بعض الأفراد يكفي في تحصل الطبيعة فكذلك عدمه كاف في انعدامها، فاستناد الفرق بين الأوامر والنواهي إلى حكم العقل مما لا مجال له أصلا، كما لا يخفى، كما أن دعوى كون ذلك مستندا إلى فهم العرف من الألفاظ بحسب معانيها اللغوية وحقائقها التي وضعت تلك الألفاظ بإزائها مما لم يعرف له وجه، كما هو واضح، فانحصر أن يكون منشأ ذلك حكم العقلاء بذلك من غير ارتباط له بباب الألفاظ.
ثم إن دلالة النهي على الزجر بعد المخالفة أيضا إنما هو لكون مدلوله هو الزجر عن الطبيعة المتعلقة له، لا العدم حتى يقال بأنه متى تحققت المخالفة فقد انتقض إلى الوجود، ولا مجال لبقائه بعد تحقق عصيانه، بل النهي لأجل كونه دالا على الزجر عن جميع وجودات الطبيعة، لا مجال لسقوطه بمجرد تحقق بعض وجوداته، ولا دليل على كون المخالفة والعصيان مسقطا.
نعم لو كان متعلق النهي هو أول الطبيعة، فبمجرد تحققه يسقط، لا لكون