والحق انها بالاطلاق، لا سياقية عقلية، ولا بالوضع: لان مدخول النفي، أو النهى، وهي النكرة، قابل للانطباق على المطلق والمقيد، والنفي كلفظة (لا) موضوعة لنفى مدخولها ليس الا، فلا محالة إذا جرت مقدمات الحكمة في المدخول يستفاد منها العموم، والا فيكون مهملا، والمهملة في قوة الجزئية ولا يستفاد منها العموم.
وقد استدل المحقق اليزدي (ره) لإفادتها العموم بنفسها: بان النفي المتعلق بالطبيعة المهملة لا يصح الا إذا لم تكن متحققة أصلا: إذ لو صح نفى الطبيعة مع وجود فرد خاص منها لزم اجتماع النقيضين.
وفيه: ان اجتماع النقيضين انما يلزم لو أريد من المدخول الطبيعة المطلقة، واما لو أريد منه المهملة فلا يلزم اجتماع النقيضين، فالأظهر ان دلالتها عليه انما تكون بالاطلاق، وليست دلالتها عليه سياقية عقلية كما مر في أول مبحث النواهي.
المورد الثاني: في لفظة (كل) وأمثالها. وبعد مالا كلام في استفادة العموم منها.
وقع الكلام في أن هذه هل تتوقف على اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها، أم دلالتها عليه تستند إلى الوضع ولا تحتاج إلى اجراء المقدمات؟
والحق هو الثاني، بمعنى ان لفظة (كل) مثلا وضعت لإفادة فعلية صلاحية مدخولها لما يصلح ان ينطبق عليه، فبادخال لفظة (كل) على الطبيعة تصير تلك الصلاحية فعلية، فهي بالوضع تدل على الغاء جميع الخصوصيات عن مدخولها. فقول القائل: أكرم كل عالم. في قوة ان يقول لا دخل لشئ من القيود في موضوع حكمي، والشاهد على ذلك أمران: الأول: انه لو كان في مقام الاهمال واتى بهذه اللفظة يعد خارجا عن طريق المحاورة، الثاني: انه لو جرت المقدمات في المدخول واستفيد الاطلاق منها لا يبقى احتياج إلى أداة العموم، ويكون وجودها لغوا.
وقد استدل للأول بوجوه، أحدها: انه لا ريب في امكان تقييد المدخول كما في قولنا: كل رجل عالم، وهذه قرينة على احتياج استفادة العموم إلى اجراء مقدمات الحكمة، إذ لولا ذلك لزم كونه تقييدا لدائرة العموم في فرض ثبوته فيكون التقييد منافيا له.