(الكلام في التعادل والترجيح) ولا يخفى ان هذا البحث من أهم المسائل الأصولية لثبوت التعارض بين جملة من الأدلة، فلا وجه لجعله خاتمة لعلم الأصول - كما عن بعض - المشعر بكونه خارجا عنه، كمبحث الاجتهاد والتقليد. ولابد من التكلم في موضوع التعارض وتعريفه (أولا) وفي حكمه من التساقط أو الاخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا (ثانيا).
فنقول: التعارض: تنافي مدلول دليلين بالتناقض، كما إذا دل أحدهما على وجوب شئ، والاخر على عدم وجوبه، أو بالتضاد، كما إذا دل أحدهما على وجوب شئ والاخر على حرمته. ويرجع التضاد أيضا إلى التناقض باعتبار الدلالة الالتزامية، فان الدليل على الوجوب ينفى الحرمة بالالتزام وبالعكس، فيكون أحدهما دالا على الوجوب بالمطابقة والاخر على عدمه بالالتزام. وكذا بالنسبة إلى الحرمة.
فإذا صح أن يقال: إن التعارض: تنافي مدلولي دليلين بالتناقض. غاية الامر أن التناقض بينهما قد يكون باعتبار المدلول المطابقي فيهما، وقد يكون باعتبار المدلول المطابقي في أحدهما والالتزامي في الاخر على ما ذكرناه.
ثم إن التنافي بين مدلولي دليلين إما ذاتي، وإما عرضي. والمراد بالتنافي الذاتي ما كان التنافي بينهما باعتبار مفهومهما العرفي بالمطابقة أو بالالتزام على ما ذكرناه.
والمراد بالتنافي العرضي ما كان التنافي بينهما من جهة أمر خارج عن مدلولهما العرفي:
كالعلم الاجمالي بعدم مطابقة أحدهما للواقع، كما إذا دل دليل على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة تعيينا، والاخر على وجوب صلاة الظهر فيه كذلك، فإنه لا منافاة بينهما بحسب المفهوم العرفي، لامكان وجوب كلتيهما، إلا أنا نعلم - بالضرورة من الدين - عدم وجوب صلوات ست في يوم واحد، فلأجل هذا العلم يكون الدليل - الدال