من باب التعبد لا من باب الطريقية (1) - بل لأن العلم الإجمالي هنا بانتقاض أحد اليقينين (2) يوجب خروجهما عن مدلول " لا تنقض "، لأن قوله: " لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين مثله " يدل على حرمة النقض بالشك ووجوب النقض باليقين، فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين، فلا يجوز إبقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك، لأنه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله، ولا إبقاء أحدهما المعين، لاشتراك الآخر معه في مناط الدخول من غير مرجح، وأما أحدهما المخير فليس من أفراد العام، إذ ليس فردا ثالثا غير الفردين المتشخصين في الخارج، فإذا خرجا لم يبق شئ. وقد تقدم نظير ذلك في الشبهة المحصورة (3)، وأن قوله (عليه السلام): " كل شئ حلال حتى تعرف أنه حرام " لا يشمل شيئا من المشتبهين.
وربما يتوهم: أن عموم دليل الاستصحاب نظير قوله: " أكرم العلماء "، و " أنقذ كل غريق "، و " اعمل بكل خير "، في أنه إذا تعذر العمل بالعام في فردين متنافيين لم يجز طرح كليهما، بل لا بد من العمل بالممكن - وهو أحدهما تخييرا - وطرح الآخر، لأن هذا غاية المقدور، ولذا ذكرنا في باب التعارض (4): أن الأصل في الدليلين المتعارضين مع فقد الترجيح التخيير بالشرط المتقدم لا التساقط. والاستصحاب أيضا