قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة) أي وقع النداء لها، والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة، لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نداء سواه، وقوله (من يوم الجمعة) بيان لإذا وتفسير لها. وقال أبو البقاء: إن من بمعنى في كما في قوله - أروني ماذا خلقوا من الأرض - أي في الأرض. قرأ الجمهور " الجمعة " بضم الميم. وقرأ عبد الله بن الزبير والأعمش بإسكانها تخفيفا. وهما لغتان وجمعها جمع وجمعات. قال الفراء: يقال الجمعة بسكون الميم وبفتحها وبضمها. وهي صفة لليوم: أي يوم يجمع الناس.
قال الفراء أيضا وأبو عبيد: والتخفيف أخف وأقيس، نحو: غرفة وغرف وطرفة وطرف وحجرة وحجر. وفتح الميم لغة عقيل. وقيل إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم، وقيل لأن الله فرغ فيها من خلق كل شئ فاجتمعت فيها جميع المخلوقات، وقيل لاجتماع الناس فيها للصلاة (فاسعوا إلى ذكر الله) قال عطاء: يعني الذهاب والمشي إلى الصلاة. وقال الفراء: المضي والسعي والذهاب في معنى واحد، ويدل على ذلك قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود - فامضوا إلى ذكر الله - وقيل المراد القصد. قال الحسن: والله ما هو سعي على الأقدام، ولكنه قصد بالقلوب والنيات، وقيل هو العمل كقوله - من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن - وقوله - إن سعيكم لشتى - وقوله - وأن ليس للإنسان إلا ما سعى - قال القرطبي: وهذا قول الجمهور، ومنه قول زهير:
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم وقال أيضا: سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد ما * تنزل ما بين العشيرة بالدم أي فاعملوا على المضي إلى ذكر الله واشتغلوا بأسبابه من الغسل والوضوء والتوجه إليه، ويؤيد هذا القول قول الشاعر: أسعى على جل بني مالك * كل امرئ في شأنه ساعي (وذروا البيع) أي اتركوا المعاملة به ويلحق به سائر المعاملات. قال الحسن: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحل الشراء والبيع، والإشارة بقوله (ذلكم) إلى السعي إلى ذكر الله وترك البيع، وهو مبتدأ وخبره (خير لكم) أي خير لكم من فعل البيع وترك السعي لما في الامتثال من الأجر والجزاء. وفي عدمه من عدم ذلك إذا لم يكن موجبا للعقوبة (إن كنتم تعلمون) أي إن كنتم من أهل العلم، فإنه لا يخفى عليكم أن ذلكم خير لكم (فإذا قضيت الصلاة) أي إذا فعلتم الصلاة وأديتموها) وفرغتم منها (فانتشروا في الأرض) للتجارة والتصرف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم (وابتغوا من فضل الله) أي من رزقه الذي ينفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب، وقيل المراد به ابتغاء ما عند الله من الأجر بعمل الطاعات واجتناب ما لا يحل (واذكروا الله كثيرا) أي ذكرا كثيرا بالشكر له على ما هداكم إليه من الخير الأخروي والدنيوي، وكذا اذكروه بما يقربكم إليه من الأذكار، كالحمد والتسبيح والتكبير والاستغفار ونحو ذلك (لعلكم تفلحون) أي كي تفوزوا بخير الدارين وتظفروا به (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) سبب نزول هذه الآية أنه كان بأهل المدينة فاقة وحاجة، فأقبلت عير من الشام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب يوم الجمعة، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا في المسجد. ومعنى " انفضوا إليها " تفرقوا خارجين إليها. وقال المبرد: مالوا إليها، والضمير للتجارة، وخصت بإرجاع الضمير إليها دون اللهو لأنها كانت أهم عندهم، وقيل التقدير: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهوا انفضوا إليه، فحذف الثاني لدلالة الأول عليه كما في قول الشاعر: