مبتدأ محذوف، والتقدير: فلأنا أقسم بذلك. وقيل إن لا هنا بمعنى ألا التي للتنبيه، وهو بعيد. وقيل لا هنا على ظاهرها، وإنها لنفي القسم: أي فلا أقسم على هذا لأن الأمر أوضح من ذلك، وهذا مدفوع بقوله (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) مع تعيين المقسم به والمقسم عليه، ومعنى قوله (بمواقع النجوم) مساقطها، وهي مغاربها كذا قال قتادة وغيره. وقال عطاء بن أبي رباح: منازلها. وقال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة، وقال الضحاك: هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون مطرنا بنوء كذا. وقيل المراد بمواقع النجوم نزول القرآن نجوما من اللوح المحفوظ، وبه قال السدي وغيره، وحكى الفراء عن ابن مسعود أن مواقع النجوم هو محكم القرآن. قرأ الجمهور " مواقع " على الجمع، وقرأ ابن مسعود والنخعي وحمزة والكسائي وابن محيصن وورش عن يعقوب بموقع على الإفراد. قال المبرد: موقع ها هنا مصدر، فهو يصلح للواحد والجمع. ثم أخبر سبحانه عن تعظيم هذا القسم وتفخيمه فقال (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) هذه الجملة معترضة بين المقسم به والمقسم عليه، وقوله (لو تعلمون) جملة معترضة بين جزأي الجملة المعترضة، فهو اعتراض في اعتراض. قال الفراء والزجاج: هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن، والضمير في إنه على القسم الذي يدل عليه أقسم، والمعنى أن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون. ثم ذكر سبحانه المقسم عليه فقال (إنه لقرآن كريم) أي كرمه الله وأعزه ورفع قدره على جميع الكتب، وكرمه عن أن يكون سحرا أو كهانة أو كذبا، وقيل إنه كريم لما فيه من كرم الأخلاق ومعالي الأمور، وقيل لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه. وحكى الواحدي عن أهل المعاني أن وصف القرآن بالكريم، لأن من شأنه أن يعطي الخير الكثير بالدلائل التي تؤدي إلى الحق في الدين. قال الأزهري:
الكريم اسم جامع لما يحمد، والقرآن كريم يحمد لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة (في كتاب مكنون) أي مستور مصون، وقيل محفوظ عن الباطل، وهو اللوح المحفوظ قاله جماعة، وقيل هو كتاب. وقال عكرمة:
هو التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن ومن ينزل عليه، وقال السدي: هو الزبور. وقال مجاهد وقتادة: هو المصحف الذي في أيدينا (لا يمسه إلا المطهرون) قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون: أي لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون، وهم الملائكة، وقيل هم الملائكة والرسل من بني آدم، ومعنى لا يمسه المس الحقيقي، وقيل معناه: لا ينزل به إلا المطهرون، وقيل معناه: لا يقرؤه، وعلى كون المراد بالكتاب المكنون هو القرآن، فقيل - لا يمسه إلا المطهرون - من الأحداث والأنجاس. كذا قال قتادة وغيره: وقال الكلبي: المطهرون من الشرك. وقال الربيع بن أنس: المطهرون من الذنوب والخطايا. وقال محمد بن الفضل وغيره: معنى لا يمسه: لا يقرؤه إلا المطهرون: أي إلا الموحدون. وقال الفراء: لا يجد نفعه وبركته إلا المطهرون:
أي المؤمنون. وقال الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق. وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف، وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي. وروى عن ابن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة، أنه يجوز للمحدث مسه، وقد أوضحنا ما هو الحق في هذا في شرحنا للمنتقي فليرجع إليه.
قرأ الجمهور " المطهرون " بتخفيف الطاء وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول. وقرأ سلمان الفارسي بكسر الهاء على أنه اسم فاعل: أي المطهرون أنفسهم. وقرأ نافع وابن عمر وفي روية عنهما، عيسى بن عمر بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة، اسم مفعول من أطهر، وقرأ الحسن وزيد بن علي وعبد الله بن عوف بتشديد الطاء وكسر الهاء وأصله