البنات ولكم البنون) أي بل أتقولون لله البنات ولكم البنون، سفه سبحانه أحلامهم، وضلل عقولهم ووبخهم:
أي أيضيفون إلى الله البنات وهي أضعف الصنفين، ويجعلون لأنفسهم البنين وهم أعلاهما، وفيه إشعار بأن من كان هذا رأيه فهو بمحل سافل في الفهم والعقل، فلا يستبعد منه إنكار البعث وجحد التوحيد. ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (أم تسألهم أجرا) أي بل أتسألهم أجرا يدفعونه إليك على تبليغ الرسالة (فهم من مغرم مثقلون) أي من التزام غرامة تطلبها منهم مثقلون: أي مجهودون بحملهم ذلك المغرم الثقيل.
قال قتادة: يقول: هل سألت هؤلاء القوم أجرا فجهدهم فلا يستطيعون الإسلام (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) أي بل أيدعون أن عندهم علم الغيب، وهو ما في اللوح المحفوظ فهم يكتبون للناس ما أرادوا من علم الغيب. قال قتادة: هذا جواب لقولهم - نتربص به ريب المنون - يقول الله: أم عندهم الغيب حتى علموا أن محمدا يموت قبلهم فهم يكتبون. قال ابن قتيبة: معنى يكتبون يحكمون بما يقولون (أم يريدون كيدا) أي مكرا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهلكونه بذلك المكر (فالذين كفروا هم المكيدون) أي الممكور بهم المجزيون بكيدهم، فضرر كيدهم يعود عليهم - ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله - وقد قتلهم الله في يوم بدر وأذلهم في غير موطن، ومكر سبحانه بهم - ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين - (أم لهم إله غير الله) أي بل أيدعون أن لهم إلها غير الله يحفظهم ويرزقهم وينصرهم. ثم نزه سبحانه نفسه عن هذه المقالة الشنعاء فقال (سبحان الله عما يشركون) أي عن شركهم به، أو عن الذين يجعلونهم شركاء له. ثم ذكر سبحانه بعض جهالاتهم، فقال (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) الكسف جمع كسفة: وهي القطعة من الشئ، وانتصاب ساقطا على الحال، أو على أنه المفعول الثاني، والمركوم: المجعول بعضه على بعض. والمعنى: أنهم إن يروا كسفا من السماء ساقطا عليهم لعذابهم لم ينتهوا عن كفرهم بل يقولون هو سحاب متراكم بعضه على بعض، وقد تقدم اختلاف القراء في كسفا. قال الأخفش: من قرأ كسفا، يعنى بكسر الكاف وسكون السين جعله واحدا، ومن قرأ كسفا، يعنى بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعا. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتركهم، فقال (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) أي اتركهم وخل عنهم حتى يلاقوا يوم موتهم، أو يوم قتلهم ببدر، أو يوم القيامة. قرأ الجمهور " يلاقوا " وقرأ أبو حيوة " يلقوا " وقرأ الجمهور: يصعقون على البناء للفاعل: وقرأ ابن عامر وعاصم على البناء للمفعول، والصعقة: الهلاك على ما تقدم بيانه (يوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئا) هو بدل من يومهم: أي لا ينفعهم في ذلك اليوم كيدهم الذي كادوا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا (ولا هم ينصرون) أي ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع، بل هو واقع بهم لا محالة (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك) أي لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي عذابا في الدنيا دون عذاب يوم القيامة: أي قبله، وهو قتلهم يوم بدر. وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا، وذهاب الأموال والأولاد. وقال مجاهد: هو الجوع والجهد سبع سنين، وقيل عذاب القبر، وقيل المراد بالعذاب هو القحط، وبالعذاب الذي يأتي بعده هو قتلهم يوم بدر (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ما يصيرون إليه من عذاب الله وما أعده لهم في الدنيا والآخرة (واصبر لحكم ربك) إلى أن يقع لهم العذاب الذي وعدناهم به (فإنك بأعيننا) أي بمرأى ومنظر منا، وفي حفظنا وحمايتنا فلا تبال بهم. قال الزجاج: انك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك فلا يصلون إليك (وسبح بحمد ربك حين تقوم) أي نزه ربك عما لا يليق به متلبسا بحمد ربك على إنعامه عليك حين تقوم من مجلسك. قال عطاء وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبو الأحوص: يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول: سبحان الله وبحمده،