لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة، يقال أهرع الرجل إهراعا: أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى، قال مهلهل:
فجاءوا يهرعون وهم أسارى * نهودهم على رغم الأنوف وقيل يهرعون: يهرولون، وقيل هو مشي بين الهرولة والعدو. والمعنى: أن قوم لوط لما بلغهم مجئ الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه كأنما يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) أي ومن قبل مجئ الرسل في هذا الوقت كانوا يعملون السيئات، وقيل ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات: أي كانت عادتهم إتيان الرجال، فلما جاءوا إلى لوط، وقصدوا أضيافه لذلك العمل، قام إليهم لوط مدافعا (وقال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) أي تزوجوهن، ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي، وقد كان له ثلاث بنات، وقيل اثنتان، وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهن فيمتنع لخبثهم، وكان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما بنتيه، وقيل أراد بقوله (هؤلاء بناتي) النساء جملة، لأن نبي القوم أب لهم، وقالت طائفة: إنما كان هذا القول منه على طريق المدافعة ولم يرد الحقيقة. ومعنى (هن أطهر لكم) أي أحل وأنزه، والتطهر، التنزه عما لا يحل، وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل، بل هي مثل " الله أكبر ". وقرأ الحسن وعيسى بن عمر بنصب أطهر، وقرأ الباقون بالرفع، ووجه النصب أن يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره بناتي، وهن ضمير فصل، وأطهر حال. وقد منع الخليل وسيبويه والأخفش مثل هذا، لأن ضمير الفصل الذي يسمى عمادا إنما يكون بين كلامين بحيث لا يتم الكلام إلا بما بعدها، نحو كان زيد هو أخاك (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي) أي اتقوا الله بترك ما تريدون من الفاحشة بهم، ولا تذلوني وتجلبوا على العار في ضيفي، والضيف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة، لأنه في الأصل مصدر، ومنه قول الشاعر:
لا تعدمي الدهر شفار الجازر * للضيف والضيف أحق زائر ويجوز فيه التثنية والجمع، والأول أكثر يقال خزي الرجل خزاية: أي استحيا أو ذل أو هان، وخزى خزيا: إذا افتضح، ومعنى في ضيفي: في حق ضيفي، فخزى الضيف خزي للمضيف، ثم وبخهم فقال (أليس منكم رجل رشيد) يرشدكم إلى ترك هذا العمل القبيح ويمنعكم منه، فأجابوا عليه معرضين عما نصحهم به، وأرشدهم إليه بقولهم (ما لنا في بناتك من حق) أي ما لنا فيهم من شهوة ولا حاجة، لأن من احتاج إلى شئ فكأنه حصل له فيه نوع حق. ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان الذكور وشدة الشهوة إليهم، فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء، ويمكن أن يريدوا: أنه لا حق لنا في نكاحهن، لأنه لا ينكحهن ويتزوج بهن إلا مؤمن ونحن لا نؤمن أبدا، وقيل إنهم كانوا قد خطبوا بناته من قبل فردهم، وكان من سنتهم أن من خطب فرد فلا تحل المخطوبة أبدا، (وإنك لتعلم ما نريد) من إتيان الذكور، ثم إنه لما علم تصميمهم على الفاحشة وأنهم لا يتركون ما قد طلبوه (قال لو أن لي بكم قوة) وجواب لو محذوف، والتقدير:
لدافعتكم عنهم ومنعتكم منهم، وهذا منه عليه السلام على طريق التمني: أي لو وجدت معينا وناصرا، فسمى ما يتقوى به قوة (أو آوى إلى ركن شديد) عطف على ما بعد لو لما فيه من معنى الفعل، والتقدير: لو قويت على دفعكم أو آويت إلى ركن شديد. وقرئ " أو آوى " بالنصب عطفا على قوة كأنه قال: لو أن لي بكم قوة.
أو إيواء إلى ركن شديد، ومراده بالركن الشديد: العشيرة، وما يمتنع به عنهم هو ومن معه. وقيل أراد بالقوة: