(لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) قال: لا ناج إلا أهل السفينة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي برة في قوله (وحال بينهما الموج) قال: بين ابن نوح والجبل. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله (يا أرض ابلعي) قال: هو بالحبشية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في ابلعي قال بالحبشية: أي ازدرديه. وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: معناه أشربي بلغة الهند.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله. أقول: وثبوت لفظ البلع وما يشتق منه في لغة العرب ظاهر مكشوف، فما لنا وللحبشة والهند.
سورة هود الآية (45 - 49) معنى (ونادى نوح ربه) دعاه، والمراد أراد دعاءه بدليل الفاء في (فقال رب إن ابني من أهلي) وعطف الشئ على نفسه غير سائغ، فلا بد من التقدير المذكور، ومعنى قوله (إن ابني من أهلي) أنه من الأهل الذين وعدتني بتنجيتهم بقولك: وأهلك. فإن قيل كيف طلب نوح عليه السلام إنجاز ما وعده الله بقوله (وأهلك) وهو المستثنى منه، وترك ما يفيده الاستثناء، وهو (إلا من سبق عليه القول)؟ فيجاب بأنه لم يعلم إذ ذاك أنه ممن سبق عليه القول، فإنه كان يظنه من المؤمنين (وإن وعدك الحق) الذي لا خلف فيه، وهذا منه (وأنت أحكم الحاكمين) أي أتقن المتقنين لما يكون به الحكم، فلا يتطرق إلى حكمك نقض، وقيل أراد بأحكم الحاكمين أعلمهم وأعدلهم:
أي أنت أكثر علما وعدلا من ذوي الحكم، وقيل إن الحاكم بمعنى ذي الحكمة كدارع، ثم أجاب الله سبحانه عن نوح ببيان أن ابنه غير داخل في عموم الأهل، وأنه خارج بقيد الاستثناء ف (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) الذين آمنوا بك وتابعوك وإن كان من أهلك باعتبار القرابة، ثم صرح بالعلة الموجبة لخروجه من عموم الأهل المبينة له بأن المراد بالقرابة قرابة الدين لا قرابة النسب وحده فقال (إنه عمل غير صالح) قرأ الجمهور عمل على لفظ المصدر.
وقرأ ابن عباس وعكرمة والكسائي ويعقوب عمل على لفظ الفعل، ومعنى القراءة الأولى المبالغة في ذمه كأنه جعل نفس العمل، وأصله ذو عمل غير صالح ثم حذف المضاف وجعل نفس العمل، كذا قال الزجاج وغيره، ومعنى القراءة الثانية ظاهر: أي إنه عمل عملا غير صالح، وهو كفره وتركه لمتابعة أبيه، ثم نهاه عن مثل هذا السؤال، فقال (فلا تسألن ما ليس لك به علم) لما بين له بطلان ما اعتقده من كونه من أهله فرع على ذلك النهي عن السؤال، وهو وإن كان نهيا عاما بحيث يشمل كل سؤال لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب،