وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) قال:
هم اليهود (من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) قال: هم المنافقون. وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال: إن الله أنزل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون - الظالمون - الفاسقون) أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى اصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة. فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ لم يظهر عليهم، فقتلت الذليلة من العزيزة، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد ودية بعضهم نصف دية بعض؟ إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم، فأما إذ قدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا نعطيكم ذلك، فكانت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن جعلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما، ففكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد يعطيكم منهم ضعف ما نعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيما وقهرا لهم، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يخبر لكم رأيه، فإن أعطاكم ما تريدون حكمتوه، وإن لم يعطكم حذرتموه ولم تحكموه، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناسا من المنافقين يختبرون لهم رأيه، فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله (يا أيها الرسول لا يحزنك) إلى قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ثم قال فيهم: والله أنزلت وإياهم عنى. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: أول مرجوم رجمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اليهود زنى رجل منهم وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بعث بالتخفيف. فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس في المسجد وأصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا، فلم يكلمهم حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ونجبه ويجلد، والتجبية: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت ألظ به النشدة فقال:
اللهم إذ نشدتنا نجب فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟
قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه، وقالوا: والله لا ترجم صاحبنا حتى تجئ بصاحبك فترجمه. فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما. قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم. وأخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق أخرى عن أبي هريرة. وذكر فيه أن الشاب المذكور هو عبد الله بن صوريا. وأخرج نحو حديث أبي هريرة أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث البراء بن عازب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر: أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله