أن لا يجاهدوا على حذف حرف النفي، وقيل المعنى: لا يستأذنك المؤمنون في التخلف كراهة الجهاد، وقيل: إن معنى الاستئذان في الشئ الكراهة له، وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى: لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف.
قال الزجاج: أن يجاهدوا في موضع نصب بإضمار في: أي في أن يجاهدوا (والله عليم بالمتقين) وهم هؤلاء الذين لم يستأذنوا (إنما يستأذنك) في القعود عن الجهاد، والتخلف عنه (الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) وهم المنافقون، وذكر الإيمان بالله أولا، ثم باليوم الآخر ثانيا في الموضعين، لأنهما الباعثان على الجهاد في سبيل الله.
قوله (وارتابت قلوبهم) عطف على قوله (الذين لا يؤمنون) وجاء بالماضي للدلالة على تحقق الريب في قلوبهم، وهو الشك. قوله (فهم في ريبهم يترددون) أي في شكهم الذي حل بقلوبهم يتحيرون، والتردد التحير.
والمعنى: فهؤلاء الذين يستأذنونك ليسوا بمؤمنين بل مرتابين حائرين لا يهتدون إلى طريق الصواب، ولا يعرفون الحق. قوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا لهم عدة) أي لو كانوا صادقين فيما يدعونه ويخبرونك به من أنهم يريدون الجهاد معك، ولكن لم يكن معهم من العدة للجهاد ما يحتاج إليه لما تركوا إعداد العدة وتحصيلها قبل وقت الجهاد كما يستعد لذلك المؤمنون، فمعنى هذا الكلام: أنهم لم يريدوا الخروج أصلا ولا استعدوا للغزو.
والعدة ما يحتاج إليه المجاهد من الزاد والراحلة والسلاح. قوله (ولكن كره الله انبعاثهم) أي ولكن كره الله خروجهم فتثبطوا عن الخروج، فيكون المعنى: ما خرجوا ولكن تثبطوا، لأن كراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج، والانبعاث الخروج: أي حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم، لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين، وقيل المعنى: لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ولكن ما أرادوه لكراهة الله له قوله (وقيل اقعدوا مع القاعدين) قيل القائل لهم هو الشيطان بما يلقيه إليهم من الوسوسة، وقيل قاله بعضهم لبعض، وقيل قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضبا عليهم، وقيل هو عبارة عن الخذلان: أي أوقع الله في قلوبهم القعود خذلانا لهم. ومعنى (مع القاعدين) أي مع أولى الضرر من العميان والمرضى والنساء والصبيان، وفيه من لذم لهم والإزراء عليهم والتنقص بهم ما لا يخفى. قوله (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين عن تخلف المنافقين، والخبال: الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف. قيل هذا الاستثناء منقطع: أي ما زادوكم قوة، ولكن طلبوا الخبال، وقيل المعنى: لا يزيدونكم فيما ترددون فيه من الرأي إلا خبالا فيكون متصلا، وقيل هو استثناء من أعم العام: أي ما زادوكم شيئا إلا خبالا، فيكون الاستثناء من قسم المتصل، لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشئ. قوله (ولا أوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) الإيضاع: سرعة السير، ومنه قوله ورقة بن نوفل:
يا ليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع يقال أوضع البعير: إذا أسرع السير، وقيل الإيضاع سير الخبب، والخلل الفرجة بين الشيئين، والجمع الخلال: أي الفرج التي تكون بين الصفوف. والمعنى: لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الإرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذات البين. قوله (يبغونكم الفتنة) يقال بغيته كذا: طلبته له، وأبغيته كذا أعنته على طلبه. والمعنى: يطلبون لكم الفتنة في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد، وقيل الفتنة هنا الشرك. وجملة - وفيكم سماعون لهم - في محل نصب على الحال: أي والحال أن فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم، والفساد لإخوانكم (والله عليم بالظالمين) وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم، فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم، وكره انبعاثهم معكم، ولا ينافي حالهم هذا