والوجه في هذا التأويل أن أفعل التفضيل لا ينصب الاسم الظاهر، فتكون من منصوبة بالفعل الذي جعل أفعل التفضيل نائبا عنه، وقيل إن أفعل التفضيل على بابه والنصب بفعل مقدر، وقيل إنها منصوبة بأفعل التفضيل أي إن ربك أعلم أي الناس يضل عن سبيله، وقيل في محل نصب بنزع الخافض: أي بمن يضل قاله بعض البصريين، وقيل في محل جر بإضافة أفعل التفضيل إليها.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (مفصلا) قال: مبينا. وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (صدقا وعدلا) قال: صدقا فيما وعد، وعدلا فيما حكم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نصر السجزي في الإبانة عن محمد بن كعب القرظي في قوله (لا مبدل لكلماته) قال: لا تبديل لشئ قاله في الدنيا والآخرة لقوله - ما يبدل القول لدي -. وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا) قال: لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي اليمان عامر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد الحرام يوم فتح مكة ومعه مخصرة، ولكل قوم صنم يعبدونه، فجعل يأتيها صنما صنما ويطعن في صدر الصنم بعصا ثم يعقره، فكلما طعن صنما أتبعه ضربا بالقوس حتى يكسروه و يطرحوه خارجا من المسجد، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم).
سورة الأنعام الآية (118 - 120) لما تقدم ذكر ما يصنعه الكفار في الأنعام من تلك السنن الجاهلية أمر الله المسلمين بأن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وقيل إنها نزلت في سبب خاص وسيأتي، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما ذكر الذابح عليه اسم الله حل إن كان مما أباح الله أكله. وقال عطاء: في هذه الآية الأمر بذكر الله على الشراب والذبح وكل مطعوم، والشرط في (إن كنتم بآياته مؤمنين) للتهييج والإلهاب: أي بأحكامه من الأوامر والنواهي التي من جملتها الأمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه، والاستفهام في (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) للإنكار: أي ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه بعد أن أذن الله لكم بذلك (و) الحال أن (قد فصل لكم ما حرم عليكم) أي بين لكم بيانا مفصلا يدفع الشك ويزيل الشبهة بقوله (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما إلى آخر الآية، ثم استثنى فقال (إلا ما اضطررتم إليه) أي من جميع ما حرمه عليكم فإن الضرورة تحلل الحرام، وقد تقدم تحقيقه في البقرة. قرأ نافع ويعقوب (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) بفتح الفعلين على البناء للفاعل، وهو الله سبحانه. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالضم فيهما على البناء للمفعول. وقرأ عطية العوفي " فصل " بالتخفيف: أي أبان وأظهر. قوله (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم) هم الكفار الذين كانوا يحرمون البحيرة والسائبة ونحوهما، فإنهم بهذه الأفعال المبنية على الجهل كانوا يضلون الناس فيتبعونهم ولا يعلمون أن ذلك جهل