جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأخرجه أيضا النسائي فقد جمع بعض الشافعية بين هذه الأحاديث بأنه إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم، وإن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه الانتظار وجاع فأكل من الصيد لجوعه لا لكونه أمسكه على نفسه فإنه لا يؤثر ذلك ولا يحرم به الصيد، وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني، وحديث عمرو بن شعيب، وهذا جمع حسن. وقال آخرون: إنه إذا أكل الكلب منه حرم لحديث عدي، وإن أكل غيره لم يحرم للحديثين الآخرين، وقيل يحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أمسكه وخلاه، ثم عاد فأكل منه.
وقد سلك كثير من أهل العلم طريق الترجيح ولم يسلكوا طريق الجمع لما فيها من البعد، قالوا: وحديث عدي ابن حاتم أرجح لكونه في الصحيحين. وقد قررت هذا المسلك في شرحي للمنتقي بما يزيد الناظر فيه بصيرة. قوله (واذكروا اسم الله عليه) الضمير في (عليه) يعود إلى (ما علمتم) أي سموا عليه عند إرساله، أو لما أمسكن عليكم: أي سموا عليه إذا أردتم ذكاته. وقد ذهب الجمهور إلى وجوب التسمية عند إرسال الجارح، واستدلوا بهذه الآية، ويؤيده حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين وغيرهما بلفظ " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله ". وقال بعض أهل العلم: إن المراد التسمية عند الأكل. قال القرطبي: وهو الأظهر، واستدلوا بالأحاديث التي فيها الإرشاد إلى التسمية وهذا خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وقت التسمية بإرسال الكلب وإرسال السهم، ومشروعية التسمية عند الأكل حكم آخر، ومسألة غير هذه المسألة فلا وجه لحمل ما ورد في الكتاب والسنة هنا على ما ورد في التسمية عند الأكل، ولا ملجئ إلى ذلك، وفى لفظ في الصحيحين من حديث عدي " إن أرسلت كلبك وسميت فأخذ فكل ". وقد ذهب جماعة إلى أن التسمية شرط وذهب آخرون إلى أنها سنة فقط، وذهب جماعة إلى أنها شرط على الذاكر لا الناسي، وهذا أقوى الأقوال وأرجحها قوله (واتقوا الله إن الله سريع الحساب) أي حسابه سبحانه سريع إتيانه وكل آت قريب. قوله (اليوم أحل لكم الطيبات) هذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى، وهي قوله (أحل لكم الطيبات) وقد تقدم بيان الطيبات. قوله (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) الطعام: اسم لما يؤكل، ومنه الذبائح، وذهب أكثر أهل العلم إلى تخصيصه هنا بالذبائح. وفى هذه الآية دليل على أن جميع طعام أهل الكتب من غير فرق بين اللحم وغيره حلال للمسلمين وإن كانوا لا يذكرون على ذبائحهم اسم الله، وتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله - ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه -. وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حلال، وإن ذكر اليهودي على ذبيحته اسم عزير، وذكر النصراني على ذبيحته اسم المسيح. وإليه ذهب أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس والزهري وربيعة والشعبي ومكحول. وقال علي وعائشة وابن عمر: إذا سمعت الكتابي يسمى غير الله فلا تأكل، وهو قول طاوس والحسن وتمسكوا بقوله تعالى - ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه - ويدل عليه أيضا قوله - وما أهل لغير الله به - وقال مالك: إنه يكره ولا يحرم. فهذا الخلاف إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا على ذبائحهم اسم غير الله. وأما مع عدم العلم فقد حكى الكيا الطبري وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية، ولما ورد في السنة من أكله صلى الله عليه وآله وسلم من الشاة المصلية التي أهدتها إليه اليهودية، وهو في الصحيح، وكذلك الجراب الشحم الذي أخذه بعض الصحابة من خيبر وعلم بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الصحيح أيضا وغير ذلك. والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود والنصارى. وأما المجوس، فذهب الجمهور إلى أنها لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساءهم لأنهم ليسوا بأهل كتاب على المشهور عند أهل العلم، وخالف في ذلك أبو ثور، وأنكر عليه الفقهاء ذلك حتى قال أحمد