وما بعده خبره كما تقول: الذي يكرمني فله درهم، فالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. وقال الأخفش: إن شئت كان (الذين) في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في (ليجمعنكم) أي ليجمعن المشركين الذين خسروا أنفسهم، وأنكره المبرد وزعم أنه خطأ، لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب. لا يقال مررت بك زيد ولا مررت بي زيد، وقيل يجوز أن يكون (الذين) مجرورا على البدل من المكذبين الذين تقدم ذكرهم أو على النعت لهم، وقيل إنه منادى وحرف النداء مقدر. قوله (وله ما سكن في الليل والنهار) أي لله، وخص الساكن بالذكر، لأن ما يتصف بالسكون أكثر مما يتصف بالحركة، وقيل المعنى: ما سكن فيهما أو تحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر، وهذا من جملة الاحتجاج على الكفرة. قوله (قل أغير الله أتخذ وليا) الاستفهام للإنكار، قال لهم ذلك لما دعوه إلى عبادة الأصنام، ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليا، لا لاتخاذ الولي مطلقا دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل. والمراد بالولي هنا: المعبود: أي كيف أتخذ غير الله معبودا؟ و (فاطر السماوات والأرض) مجرور على أنه نعت لاسم الله، وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ. وأجاز الزجاج النصب على المدح، وأجاز أبو علي الفارسي نصبه بفعل مضمر كأنه قيل أترك فاطر السماوات والأرض. قوله (وهو يطعم ولا يطعم) قرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأول، وضمها وفتح العين في الثاني: أي يرزق ولا يرزق، وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش بفتح الياء في الثاني وفتح العين، وقرئ بفتح الياء والعين في الأول وضمها وكسر العين في الثاني على أن الضمير يعود إلى الولي المذكور، وخص الإطعام دون غيره من ضروب الإنعام لأن الحاجة إليه أمس. قوله (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) أمره سبحانه بعد ما تقدم من اتخاذ غير الله وليا أن يقول لهم إنه مأمور بأن يكون أول من أسلم وجهه لله من قومه، وأخلص من أمته، وقيل معنى (أسلم) استسلم لأمر الله، ثم نهاه الله عز وجل أن يكون من المشركين. والمعنى: أمرت بأن أكون أول من أسلم ونهيت عن الشرك: أي يقول لهم هذا، ثم أمره أن يقول (إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) أي إن عصيته بعبادة غيره أو مخالفة أمره أو نهيه. والخوف: توقع المكروه، وقيل هو هنا بمعنى العلم: أي إني أعلم إن عصيت ربي أن لي عذابا عظيما. قوله (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) قرأ أهل المدينة وأهل مكة وابن عامر على البناء للمفعول: أي من يصرف عنه العذاب، واختار هذه القراءة سيبويه. وقرأ الكوفيون على البناء للفاعل وهو اختيار أبي حاتم، فيكون الضمير على هذه القراءة لله. ومعنى (يومئذ) يوم العذاب العظيم (فقد رحمه) الله أي نجاه وأنعم عليه وأدخله الجنة، والإشارة بذلك إلى الصرف أو إلى الرحمة: أي فذلك الصرف أو الرحمة (الفوز المبين) أي الظاهر الواضح، وقرأ أبي (من يصرف الله عنه). قوله (وإن يمسسك الله بضر) أي إن ينزل الله بك ضرا من فقر أو مرض (فلا كاشف له إلا هو) أي لا قادر على كشفه سواه (وإن يمسسك بخير) من رخاء أو عافية (فهو على كل شئ قدير) ومن جملة ذلك المس بالشر والخير. قوله (وهو القاهر فوق عباده) القهر: الغلبة، والقاهر:
الغالب، وأقهر الرجل: إذا صار مقهورا ذليلا، ومنه قول الشاعر:
تمنى حصين أن يسود خزاعة * فأمسى حصين قد أذل وأقهرا ومعنى (فوق عباده) فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم، لا فوقية المكان كما تقول: السلطان فوق رعيته:
أي بالمنزلة والرفعة. وفى القهر معنى زائد ليس في القدرة، وهو منع غيره عن بلوغ المراد (وهو الحكيم) في أمره (الخبير) بأفعال عباده. قوله (قل أي شئ أكبر شهادة) أي مبتدأ، وأكبر خبره، وشهادة تمييز، والشيء يطلق على القديم والحادث، والمحال والممكن. والمعنى: أي شهيد أكبر شهادة، فوضع شئ موضع شهيد