من سبيل، ويجوز أن تكون عطفا على الضعفاء: أي ولا على إذا ما أتوك إلى آخره حرج. والمعنى: أن من جملة المعذورين هؤلاء الذين أتوك لتحملهم على ما يركبون عليه في الغزو فلم تجد ذلك الذي طلبوه منك. قيل وجملة (لا أجد ما أحملكم عليه) في محل نصب على الحال من الكاف في أتوك بإضمار قد: أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد، وقيل هي بدل من أتوك، وقيل جملة معترضة بين الشرط والجزاء، والأول أولى. وقوله (تولوا) جواب إذا، وجملة (وأعينهم تفيض من الدمع) في محل نصب على الحال: أي تولوا عنك لما قلت لهم لا أجد ما أحملكم عليه حال كونهم باكين، و (حزنا) منصوب على المصدرية، أو على العلية، أو الحالية، و (أن لا يجدوا) مفعول له، وناصبه (حزنا) وقال الفراء: أن لا بمعنى ليس: أي حزنا أن ليس يجدوا، وقيل المعنى: حزنا على أن لا يجدوا، وقيل المعنى حزنا أنهم لا يجدون ما ينفقون لا عند أنفسهم ولا عندك. ثم ذكر الله سبحانه من عليه السبيل من المتخلفين فقال (إنما السبيل) أي طريق العقوبة والمؤاخذة (على الذين يستأذنونك) في التخلف عن الغزو، (و) الحال أن (هم أغنياء) أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به، وجملة (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) مستأنفة كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء. وقد تقدم تفسير الخوالف قريبا. وجملة (وطبع الله على قلوبهم) معطوفة على (رضوا) أي سبب الاستئذان مع الغنى أمران: أحدهما الرضا بالصفقة الخاسرة، وهي أن يكونوا مع الخوالف والثاني الطبع من الله على قلوبهم (فهم) بسبب هذا الطبع (لا يعلمون) ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الإفراد وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت براءة، فكنت أكتب ما أنزل عليه، فإني لواضع القلم عن أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟
فنزلت (ليس على الضعفاء) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال:
أنزلت هذه الآية في عابد بن عمر المزني. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزل من عند قوله - عفا الله عنك إلى قوله - ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم - في المنافقين. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله (ما على المحسنين من سبيل) قال: ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا لله ورسوله ولم يطيقوا الجهاد، فعذرهم الله وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين، ألم تسمع أن الله يقول - لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر - فجعل الله للذين عذر من الضعفاء، وأولى الضرر، والذين لا يجدون ما ينفقون من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (ما على المحسنين من سبيل قال: والله) لأهل الإساءة (غفور رحيم) وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله (ولا على الذين إذا ما أتوك) الآية، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبعثوا غازين معه، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني، فقالوا: يا رسول الله احملنا، فقال: والله ما أجد ما أحملكم عليه، فتولوا ولهم بكاء وعزيز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا، فأنزل الله عذرهم (ولا على الذين إذا ما أتوك) الآية. وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال: إني لا أجد الرهط الذين ذكر الله (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) الآية. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال: هم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير، ومن بني واقف حرمي بن عمرو، ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى، ومن بني المعلى سلمان بن صخر، ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة، ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو