سورة الأعراف الآية (189 - 192) قوله (يسألونك عن الساعة) السائلون: هم اليهود، وقيل قريش، والساعة: القيامة وهي من الأسماء الغالبة، وإطلاقها على القيامة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها، وأيان ظرف زمان مبني على الفتح. قال الراجز:
أيان تقضى حاجتي أيانا * أما ترى لنجحها أوانا ومعناه معنى متى، واشتقاقه من أي: وقيل من أين. وقرأ السلمي " إيان " بكسر الهمزة وهو في موضع رفع على الخبر، و (مرساها) المبتدأ عند سيبويه، ومرساها بضم الميم: أي وقت إرسائها من أرساها الله: أي أثبها، وبفتح الميم من رست: أي ثبتت، ومنه - وقدور راسيات -، ومنه رسا الجبل. والمعنى: متى يرسيها الله: أي يثبتها ويوقعها، وظاهر (يسألونك عن الساعة) أن السؤال عن نفس الساعة، وظاهر (أيان مرساها) أن السؤال عن وقتها، فحصل من الجميع أن السؤال المذكور هو عن الساعة باعتبار وقوعها في الوقت المعين لذلك، ثم أمره الله سبحانه بأن يجيب عنهم بقوله (قل إنما علمها عند ربي) أي علمها باعتبار وقوعها عند الله لا يعلمها غيره ولا يهتدى إليها سواه (لا يجليها لوقتها إلا هو) أي لا يظهرها لوقتها ولا يكشف عنها إلا الله سبحانه، والتجلية:
إظهار الشئ، يقال جلى لي فلان الخبر: إذا أظهره وأوضحه، وفي استئثار الله سبحانه بعلم الساعة حكمة عظيمة وتدبير بليغ كسائر الأشياء التي أخفاها الله واستأثر بعلمها. وهذه الجملة مقررة لمضمون التي قبلها. قوله (ثقلت في السماوات والأرض) قيل معنى ذلك: أنه لما خفى علمها على أهل السماوات والأرض كانت ثقيلة، لأن كل ما خفى علمه ثقيل على القلوب، وقيل المعنى: لا تطيقها السماوات والأرض لعظمها، لأن السماء تنشق، والنجوم تتناثر، والبحار تنضب، وقيل عظم وصفها عليهم، وقيل ثقلت المسئلة عنها، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها أيضا (لا تأتيكم إلا بغتة) إلا فجأة على غفلة، والبغتة، مصدر في موضع الحال، وهذه الجملة كالتي قبلها في التقرير. قوله (يسألونك كأنك حفي عنها). قال ابن فارس: الحفي العالم بالشيء، والحفي المستقصي في السؤال، ومنه قول الأعشى:
فإن تسألي عني فيارب سائل * حفي عن الأعشى به حيث أصعدا يقال أحفى في المسئلة وفي الطلب فهو محف، وحفي على التكثير مثل مخصب وخصيب. والمعنى: يسألونك عن الساعة كأنك عالم بها، أو كأنه مستقص للسؤال عنها ومستكثر منه، والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال أي يسألونك مشبها حالك حال من هو حفي عنها، وقيل المعنى: يسألونك عنها كأنك حفي بهم: أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم. والأول هو معنى النظم القرآني على مقتضى المسلك العربي. قوله (قل إنما علمها عند ربى) أمره الله سبحانه بأن يكرر ما أجاب به عليهم سابقا لتقرير الحكم وتأكيده، وقيل ليس بتكرير، بل أحدهما معناه الاستئثار بوقوعها، والآخر الاستئثار بكنهها نفسها (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) باستئثار الله بهذا وعدم علم خلقه به، لم يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل. قوله (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع، لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له أو دفع