المعنى، وقيل على (ورثوا الكتاب)، والأولى أن تكون في محل نصب على الحال بتقدير قد. والمعنى: أنهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب، والحال أن قد درسوا ما في الكتاب وعلموه فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل، وذلك أشد ذنبا وأعظم جرما. وقيل معنى (درسوا ما فيه) أي محوه بترك العمل به والفهم له، من قولهم درست الريح الآثار: إذا محتها (والدار الآخرة خير) من ذلك العرض الذي أخذوه وآثروه عليها (للذين يتقون) الله ويجتنبون معاصيه (أفلا تعقلون) فتعلمون بهذا وتفهمونه، وفى هذا من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره قوله (والذين يمسكون بالكتاب) قرأ الجمهور " يمسكون " بالتشديد من مسك وتمسك: أي استمسك بالكتاب وهو التوراة. وقرأ أبو العالية وعاصم في رواية أبي بكر بالتخفيف من أمسك يمسك. وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ " مسكوا " والمعنى: أن طائفة من أهل الكتاب لا يتمسكون بالكتاب ولا يعملون بما فيه مع كونهم قد درسوه وعرفوه وهم من تقدم ذكره، وطائفة يتمسكون بالكتاب: أي التوراة ويعملون بما فيه ويرجعون إليه في أمر دينهم فهم المحسنون الذين لا يضيع أجرهم عند الله، والموصول مبتدأ، و (إنا لا نضيع أجر المصلحين) خبره: أي لا نضيع أجر المصلحين منهم، وإنما وقع التنصيص على الصلاة مع كونها داخلة في سائر العبادات التي يفعلها المتمسكون بالتوراة لأنها رأس العبادات وأعظمها، فكان ذلك وجها لتخصيصها بالذكر، وقيل لأنها تقام في أوقات مخصوصة، والتمسك بالكتاب مستمر فذكرت لهذا، وفيه نظر. فإن كل عبادة في الغالب تختص بوقت معين، ويجوز أن يكون الموصول معطوفا على الموصول الذي قبله وهو للذين يتقون، ولكون (أفلا تعقلون) جملة معترضة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (يسومهم سوء العذاب) قال محمد وأمته إلى يوم القيامة، وسوء العذاب: الجزية. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال (سوء العذاب) الخراج، وفي قوله (وقطعناهم) قال: هم اليهود بسطهم الله في الأرض فليس منها بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله (ليبعثن عليهم) قال:
على اليهود والنصارى (إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون (وقطعناهم في الأرض أمما) قال: يهود (منهم الصالحون) وهم مسلمة أهل الكتاب (ومنهم دون ذلك) قال: اليهود (وبلوناهم بالحسنات) قال: الرخاء والعافية (والسيئات) قال: البلاء والعقوبة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) بالخصب والجدب وأخرج أبو الشيخ عنه أنه سئل عن هذه الآية (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى) قال: أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها ويتبعون رخص القرآن (ويقولون سيغفر لنا) ولا يعرض لهم شئ من الدنيا إلا أخذوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (فخلف من بعدهم خلف) قال: النصارى (يأخذون عرض هذا الأدنى) قال: ما أشرف لهم من شئ من الدنيا حلالا أو حراما يشتهونه أخذوه ويتمنون المغفرة، وإن يجدوا الغد مثله يأخذوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (فخلف من بعدهم خلف) الآية يقول: يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام (ويقولون سيغفر لنا). وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق) فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي زيد في قوله (ودرسوا ما فيه) قال: علموا ما في الكتاب لم يأتوه بجهالة. وأخرج ابن أبي حاتم