قاله آخر:
عجبت لها أنى يكون غناؤها * فصيحا ولم تفتح بمنطقها فما فجعل لها غناء وفما على جهة الاستعارة. والجواب الثاني: أن الله تعالى أنزله مختبرا به عباده، ليقف المؤمن عنده، ويرده إلى عالمه، فيعظم بذلك صوابه، ويرتاب به المنافق، فيداخله الزيغ، فيستحق بذلك العقوبة، كما ابتلاهم بنهر طالوت.
والثالث: أن الله تعالى أراد أن يشغل أهل العلم بردهم المتشابه إلى المحكم فيطول بذلك فكرهم، ويتصل بالبحث عنه اهتمامهم فيثابون على تعبهم، كما أثيبوا على سائر عباداتهم، ولو جعل القرآن كله محكما لاستوى فيه العالم والجاهل، ولم يفضل العالم على غيره، ولماتت الخواطر، وإنما تقع الفكرة والحيلة مع الحاجة إلى الفهم، وقد قال الحكماء: عيب الغنى: أنه يورث البلادة، وفضل الفقر: أنه يبعث على الحيلة، لأنه إذا احتاج احتال.
والرابع: أن أهل كل صناعة يجعلون في علومهم معاني غامضة * ومسائل دقيقة ليحرجوا غير بها من يعلمون، ويمرنوهم على انتزاع الجواب، لأنهم إذا قدروا على الغامض، كانوا على الواضح أقدر، فلما كان ذلك حسنا عند العلماء، جاز أن يكون ما أنزل الله تعالى من المتشابه على هذا النحو، وهذه الأجوبة معنى ما ذكره ابن قتيبة وابن الأنباري.
قوله [تعالى]: (فأما الذين في قلوبهم زيغ) في الزيغ قولان:
أحدهما: أنه الشك، قاله مجاهد، والسدي.
والثاني: أنه الميل، قاله أبو مالك وعن ابن عباس كالقولين: وقيل: هو الميل عن الهدى. وفي هؤلاء القوم أربعة أقوال:
أحدها: انهم الخوارج، قاله الحسن:
والثاني: المنافقون، قاله ابن جريج.
والثالث: وفد نجران من النصارى، قاله الربيع.
والرابع: اليهود، طلبوا معرفة بقاء هذه الأمة من حساب الجمل، قاله ابن السائب.
قوله [تعالى]: (فيتبعون ما تشابه منه) قال ابن عباس: يحيلون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون. وقال السدي: يقولون: ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا، ثم نسخت وفي المراد بالفتنة ها هنا، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الكفر، قاله السدي، والربيع، ومقاتل، وابن قتيبة.
والثاني: الشبهات، قاله مجاهد.