فصل ذهب جماعة من المفسرين إلى أن دليل خطاب هذه الآية منسوخ، لأنه لما قال: (الحر بالحر)، اقتضى أن لا يقتل العبد بالحر، وكذلك لما قال: (والأنثى بالأنثى) اقتضى أن لا يقتل الذكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب، وذلك منسوخ بقوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) قال شيخنا علي بن عبد الله: وهذا عند الفقهاء ليس بنسخ، لأن الفقهاء يقولون: دليل الخطاب حجة ما لم يعارضه أبو دليل دليل أقوى منه.
ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179) قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة).
قال الزجاج: إذا علم الرجل أنه إن قتل قتل، أمسك عن القتل وكان، في ذلك حياة للذي هم بقتله ولنفسه، لأنه من أجل القصاص أمسك. وأخذ هذا المعنى الشاعر فقال:
أبلغ أبا مالك عني مغلغلة * وفي العتاب حياة بين أقوام يريد: أنهم إذا تعاتبوا أصلح من بينهم العتاب. والألباب: العقول، وإنما خصهم بهذا الخطاب وإن كان الخطاب عاما، لأنهم المنتفعون بالخطاب، لكونهم يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه.
وقوله [تعالى]: (لعلكم تتقون) قال ابن عباس: لعلكم تتقون الدماء. وقال ابن زيد: لعلك تتقي أن يقتله فتقتل به.
فصل نقل ابن منصور عن أحمد: إذا قتل رجل رجلا بعصا، أو خنقه، أو شدخ رأسه بحجر، يقتل بمثل الذي قتل به، فظاهر هذا: أن القصاص يكون بغير السيف، ويكون بمثل الآلة التي قتل بها، وهو قول مالك، والشافعي. ونقل عنه حرب: إذا قتله بخشبة قبل بالسيف. ونقل أبو طالب: إذا خنقه قتل بالسيف. فظاهر هذا: أنه لا يكون القصاص إلا بالسيف، وهو قول أبي حنيفة [رحمه الله].