والثاني: وإثمهما قبل التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم أيضا، لأن الإثم الذي يحدث في أسبابهما أكبر من نفعهما. وهذا منقول عن ابن جبير أيضا واختلفوا بماذا كانت الخمرة مباحة؟ على قولين:
أحدهما: بقوله [تعالى]: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا). قاله ابن جبير.
والثاني: بالشريعة الأولى، وأقر المسلمون على ذلك حتى حرمت.
فصل اختلف العلماء: هل لهذه الآية تأثير في تحريم الخمر أم لا؟ على قولين.
أحدهما: أنها تقتضي ذمها دون تحريمها، رواه السدي عن أشياخه، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد وقتادة، ومقاتل. وعلى هذا القول تكون هذه الآية منسوخة.
والقول الثاني: أن لها تأثيرا في التحريم، وهو أن الله تعالى أخبر أن فيها إثما كبيرا والإثم كله محرم بقوله: (والإثم والبغي). هذا قول جماعة من العلماء، وحكاه الزجاج، واختاره القاضي أبو يعلى للعلة التي بيناها، واحتج لصحته بعض أهل المعاني، فقال: لما قال الله تعالى: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)، وقع التساوي بين الأمرين، فلما قال: (وإثمهما أكبر من نفعهما) صار الغالب الإثم، وبقي النفع مستغرقا في جنب الاثم، فعاد الحكم للغالب المستغرق، فغلب جانب الخطر.
فصل فأما الميسر، فالقول فيه مثل القول في الخمر، إن قلنا: إن هذه الآية دلت على التحريم، فالميسر حكمها حرام أيضا، وإن قلنا: إنها دلت على الكراهة، فأقوم الأقوال أن نقول: إن الآية التي في المائدة نصت على تحريم الميسر.