والثاني: أنها ارتداد المؤمن إلى عبادة الأوثان. قاله مجاهد. فيكون معنى الكلام على القول الأول: شرك القوم أعظم من قتلكم إياهم في الحرم.
وعلى الثاني: ارتداد المؤمن إلى الأوثان أشد عليه من أن يقتل محقا.
قوله [تعالى]: (ولا تقاتلوهم) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر:
(ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم) بحذف الألف فيهن. وقد اتفق الكل على قوله: (فاقتلوهم) فاحتج من قرأ بالألف بقوله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) واحتج من حذف الألف بقوله: (فاقتلوهم).
فصل واختلف العلماء في قوله: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه): هل هو منسوخ أم لا؟ فذهب مجاهد في جماعة من الفقهاء إلى أنه محكم، وأنه لا يقاتل فيه إلا من قاتل، ويدل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه خطب يوم فتح مكة، فقال: " يا أيها الناس!
إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، ولم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي. وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم عادت حراما إلى يوم القيامة ". فبين صلى الله عليه وآله وسلم أنه خص في تلك الساعة بالإباحة على سبيل التخصيص، لا على وجه النسخ، فثبت بذلك خطر القتال في الحرم، إلا أن يقاتلوا فيدفعون دفعا، وهذا أمر مستمر والحكم غير منسوخ، وقد ذهب قتادة إلى أنه منسوخ بقوله [تعالى]: (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). فأمر بقتالهم في الحل والحرم وعلى كل حال.
وذهب الربيع بن أنس، وابن زيد، إلى أنه منسوخ بقوله [تعالى]: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) وزعم مقاتل أنه منسوخ بقوله [تعالى]: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم). والقول الأول أصح.
قوله [تعالى]: (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) قال مقاتل: أي: فقاتلوهم.
فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192) قوله تعالى: (فإن انتهوا).
فيه ثلاثة أقوال: