فنحاص بن عازوراء دينارا، فخانه، وأهل الكتاب: اليهود. وقد سبق الكلام في القنطار. وقيل: إن " الباء " في قوله: " بقنطار " بمعنى " على " فأما الدينار، فقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: الدينار فارسي معرب، وأصله: دنار وهو وإن كان معربا، فليس تعرف له العرب اسما غير الدينار، فقد صار كالعربي، ولذلك ذكره الله عز وجل في كتابه، لأنه خاطبهم بما عرفوا، واشتقوا منه فعلا، فقالوا: رجل مدنر: كثير الدنانير. وبرذون مدنر: أشهب مستدير النقش ببياض وسواد. فإن قيل: لم خص أهل الكتاب بأن فيهم خائنا وأمينا والخلق على ذلك، فالجواب: أنهم يخونون المسلمين استحلالا لذلك، وقد بينه في قوله [تعالى]: (ليس علينا في الأميين سبيل) فحذر منهم. وقال مقاتل: الأمانة ترجع إلى من أسلم منهم، والخيانة إلى من لم يسلم. وقيل: إن الذين يؤدون الأمانة: النصارى، والذين لا يؤدونها: اليهود.
قوله [تعالى]: (إلا ما دمت عليه قائما) قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: دمت ودمتم، ومت ومتم وتميم يقولون: مت ودمت بالكسر، ويجتمعون في " يفعل " يدوم ويموت. وفي هذا القيام قولان:
أحدهما: أنه التقاضي، قاله مجاهد، وقتادة، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج. قال ابن قتيبة:
والمعنى: ما دمت مواظبا بالاقتضاء له والمطالبة. وأصل هذا أن المطالب بالشئ يقوم فيه ويتصرف والتارك له يقعد عنه، (من أهل الكتاب أمة قائمة) أي: عاملة غير تاركة، وقال [تعالى]: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) أي: آخذ لها بما كسبت.
والثاني: أنه القيام حقيقة، فتقديره: إلا ما دمت قائما على رأسه، فإنه يعترف بأمانته، فإذا ذهبت ثم جئت، جحدك، قاله السدي.
قوله [تعالى]: (ذلك) يعني: الخيانة. والسبيل: الإثم والحرج، ونظيره (ما على المحسنين من سبيل) قال قتادة: إنما استحل اليهود أموال المسلمين، لأنهم عندهم ليسوا أهل كتاب.
قوله [تعالى]: (ويقولون على الله الكذب) قال السدي: يقولون: قد أحل الله لنا أموال العرب.
وفي قوله [تعالى]: (وهم يعلمون) قولان:
أحدهما: يعلمون أن الله قد أنزل في التوراة الوفاء، وأداء الأمانة.
والثاني: يقولون الكذب، وهم يعلمون أنه كذب.
بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76)