" الفاتحة " وغيرها. فإن قيل: كيف يقال: إن المشركين استكثروا والمسلمين، وإن المسلمين استكثروا المشركين، وقد بين قوله تعالى: (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) أن الفئتين تساوتا في استقلال إحداهما للأخرى؟ فالجواب: أنهم استكثروهم في حال، واستقلوهم في حال، فإن قلنا: إن الفئة الرائية المسلمون، فإنهم رأوا عدد المشركين عند بداية القتال على ما هم عليه، ثم قلل الله المشركين في أعينهم حتى اجترأوا عليهم، فنصرهم الله بذلك السبب. قال ابن مسعود: نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم، فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا. وقال في رواية أخرى: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي:
تراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة، فأسرنا منهم رجلا فقلت: كم كنتم؟ قال: ألفا. وإن قلنا: إن الفئة الرائية المشركون فإنهم استقلوا المسلمين في حال، فاجترؤوا عليهم، واستكثروهم في حال، فكان ذلك سبب خذلانهم، وقد نقل أن المشركين لما أسروا يومئذ، قالوا للمسلمين: كم كنتم؟ قالوا: كنا ثلاثمائة وثلاثة عشر. قالوا: ما كنا نراكم إلا تضعفون علينا.
قوله [تعالى]: (والله يؤيد)، أي: يقوي (إن في ذلك) في الإشارة قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى النصر.
والثاني: إلى رؤية الجيش مثليهم، والعبرة: الدلالة الموصلة إلى اليقين، المؤدية إلى العلم، وهي من العبور، كأنه طريق يعبر به ويتوصل به إلى المراد. وقيل: العبرة: الآية التي يعبر منها من منزلة الجهل إلى العلم. والأبصار: العقول والبصائر.
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14) قوله [تعالى]: (زين للناس حب الشهوات) قرأ أبو رزين العقيلي وأبو رجاء العطاردي، ومجاهد، وابن محيصن " زين " بفتح الزاي " حب " بنصب الباء، وقد سبق في " البقرة " بيان التزيين. والقناطير: جمع قنطار، قال ابن دريد: ليست النون فيه أصلية، وأحسب أنه معرب.