والسادس: أنه [ما احتمل إلى بيان، ذكره القاضي أو يعلى عن أحمد وقال الشافعي ما احتمل من التأويل وجوها. وقال ابن الأنباري: المحكم ما لا يحتمل التأويلات، ولا يخفى على مميز، والمتشابه: الذي تعتوره تأويلات.
والسابع: أنه القصص، والأمثال ذكره القاضي أبو يعلى. فإن قيل: فما فائدة إنزال المتشابه، والمراد بالقرآن البيان والهدى؟ فعنه أربعة أجوبة:
أحدها: أنه لما كان كلام العرب على ضربين:
أحدهما: الموجز الذي لا يخفى على سامعه، ولا يحتمل غير ظاهره.
والثاني: المجاز، والكنايات، والإشارات، والتلويحات، وهذا الضرب الثاني هو المستحلى عند العرب، والبديع في كلامهم، أنزل الله تعالى القرآن على هذين الضربين، ليتحقق عجزهم عن الاتيان بمثله، فكأنه قال: عارضوه بأي الضربين شئتم ولو نزل كله محكما واضحا، لقالوا: هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا؟ ومتى وقع في الكلام إشارة أو كناية، أو تعريض أو تشبيه، كان أفصح وأغرب.
قال امرؤ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي * بسهميك في أعشار قلب مقتل فجعل النظر بمنزلة السهم على جهة التشبيه، فحلا هذا عند كل سامع ومنشد، وزاد في بلاغته، وقال امرؤ القيس أيضا:
رمتني بسهم أصاب الفؤاد * غداة الرحيل فلم أنتصر وقال أيضا:
فقلت له لما تمطى بصلبه * وأردف أعجازا وناء بكلكل فجعل لليل صلبا وصدرا على جهة التشبيه، فحسن بذلك شعره. وقال غيره:
من كميت أجادها طابخاها * لم تمت كل موتها في القدور أراد بالطابخين: منه الليل والنهار على جهة التشبيه. وقال آخر:
تبكي هاشما في كل فجر * كما تبكي على الفنن الحمام