قوله [تعالى]: (ومن المقربين) قال قتادة: عند الله يوم القيامة. والمهد: مضجع الصبي في رضاعه، وهو مأخوذ من التمهيد، وهو التوطئة. وفي تكليمه للناس في تلك الحال قولان:
أحدهما: لتبرئه أمه مما قذفت به.
والثاني: لتحقيق معجزته الدالة على نبوته. قال ابن عباس: تكلم ساعة في مهده، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغ النطق. (وكهلا) قال: ابن ثلاثين سنة أرسله الله تعالى، فمكث في رسالته ثلاثين شهرا، ثم رفعه الله. وقال وهب بن منبه: جاءه الوحي على رأس سنة، فمكث في نبوته ثلاث سنين، ثم رفعه الله. قال ابن الأنباري: كان عليه السلام قد زاد على الثلاثين * ومن أربى عليها، فقد دخل في الكهولة. والكهل عند العرب: الذي قد جاوز الثلاثين، وإنما سمي الكهل كهلا، لاجتماع قوته، وكمال شبابه، وهو من قولهم: قد اكتهل النبات. وقال ابن فارس: الكهل:
الرجل حين وخطه الشيب. فإن قيل: فقد علم أن الكهل يتكلم، فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة بطول عمره، أي: أنه يبلغ الكهولة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: (وكهلا) قال: ذلك بعد نزوله من السماء.
والثاني: أنه أخبرهم أن الزمان يؤثر فيه، وأن الأيام تنقله من حال إلى حال. ولو كان إلها لم يدخل عليه هذا التغير، ذكره ابن جرير الطبري.
والثالث: أن المراد بالكهل: الحليم قاله مجاهد.
قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (47) قوله [تعالى]: (قالت رب أنى يكون لي ولد) في علة قولها هذا قولان:
أحدهما: أنها قالت هذا تعجبا واستفهاما، لا شكا وإنكارا، على ما أشرنا إليه في قصة زكريا، وعلى هذا الجمهور.
والثاني: أن الذي خاطبها كان جبريل، وكانت تظنه آدميا يريد بها سوءا، ولهذا قالت: (أعوذ بالرحمن منك) فلما بشرها لم تتيقن صحة قوله، لأنها لم تعلم أنه ملك، فلذلك قالت: (أنى يكون لي ولد) قاله ابن الأنباري.
قوله [تعالى]: (ولم يمسسني بشر) أي: ولم يقربني زوج. والمس: الجماع، قاله ابن فارس. وسمي البشر بشرا، لظهورهم، والبشرة: ظاهر جلد الإنسان، وأبشرت الأرض: أخرجت